في ذكرى هدم قرى اللطرون:عمواس..والتعابير المقلوبة والمفاهيم المغلوطة!!/ عبد المجيد أبو غوش

السادس من حزيران يمر، والشاب آنذاك الختيار الشايب اليوم يقلب صفحات الماضي، وينتقي من المشاهد التي بقيت عالقة في ذهنه ما يسرّ وما يؤلم، وتقع الرؤية على صورة لمشهد أصحاب الطريقة الصوفية من أهل عمواس، ويذكر ويتذكر أولئك الأوائل الطيبين من الأهل… والألم موجع حقاً، ولكن الذكرى تطفو على السطح!!
وبنفس الصورة يرد البعض على حقائق نعتبرها من البدهيات، وليس من الفرضيات المحسوبة، وهي ناصعة البياض ظاهرة للعيان لا يشوبها شائب، ولا تخدشها جروح، ولكنّ التعابير المقلوبة صارت تقليعة العصر، وتحول الظالم إلى مظلوم، ومهندس المؤامرة إلى متآمَر عليه، ولا بد للحقيقة أن تظهر للعيان، والصورة ستتوضح لمن على أعينهم غباش!!
والفرد يناطح المجموع العام، ومتقلّب على وجهه يصوّر الوضع بما يناسب صاحب السطوة والسلطان، والكل يرسم الخريطة بدقة ووضوح، وتحوّلت الجموع هذه إلى ظلمة وشلة فاسدة، ولكن الفرد المتسلط لا يمكن أن يغطي الشمس بغربال، والأعين لا تعصّب بغمامة، وأعين الأفراد والمراقبين صائبة دقيقة، والأيام تثبت في كل متغيّر أن المجموع لا يمكن أن يسقط نظرياتهم فرد واحد، ولا ندري لماذا تنقلب المفاهيم بين ليلة وضحاها!!
عمواس…والشيخ العنباوي: لا يمكن أن ينسى الطفل مسقط رأسه يوماً ولو طال الزمن، والختيار الأشيب وأقرانه من أبناء قريته يتذكرون، ولا بدّ من لقاءات ولو هامشية أو دون ترتيب مسبق، فالأفراح والأتراح مناسبات يلتقي فيها أبناء القرية، ويسرد الختيار الأشيب لأبنائه وللحاضرين ذكريات قريته العزيزة على القلب والتي تسري في شرايين دمه، واستطاع كل ختيار أو شاب أن يزرع حب القرية في عقول وقلوب أطفال القرية، وما علينا فقد تذكر الختيار والقرناء أثناء سرد حكاية القرية الشيخ الجليل “الشيخ مصطفى العنباوي” عميد آل الشيخ في القرية، (وأبو أحمد) الأكبر سناً بدأ يحكي قصصاً عن الرجال الذين كانوا يقبّلون يدي الشيخ “مصطفى” احتراماً وتقديراً، وحيث أن أهل القرية كانوا يعتبرونه من الأولياء الصالحين، والشيخ “مصطفى العنباوي” من أسرة عريقة عاشت بداية حياتها في قرية “العنب” والتي يطلق عليها اليوم “قرية أبو غوش” ولجده “إسماعيل العنباوي” مقام في القرية كان أهل ” قرية العنب” يتقربون إليه ويشعلون الأسرجة والشموع في المقام المذكور، وهي من طقوس قديمة الكل يعرفها، ولا زال أهل القرية ومجلسها المحلي يحافظون على قدسية المقام، ويسأل الشاب الوطني _ الذي يقول أن حب عمواس في قلبه كهيام قيس بحبيبته ليلى_ سأل الختيار أبو أحمد: تابع عمي فنحن كلنا آذاناً صاغية، ونحن نحب أن نسمع لكي نتعرف على الحياة الاجتماعية في القرية “عمواس”. وهنا يكمل (أبو أحمد) نعم يا بني فالشيخ مصطفى صاحب العمامة الحمراء أذكره تماماً حيث كانت علامات الوقار تشيح من تقاطيع جبينه، وأذكر يوماً أن “مختار القرية”التقاه في السلطاني وهنا قاطعه (جميل) سائلاً: وما السلطاني؟ فأجاب الرجل: هو الشارع المعبد الذي كان يمر من القرية والواصل بين القدس ويافا والرملة واللد، وأطلق عليه “السلطاني” لأن سلاطين بني عثمان كانوا يمرون عليه بعرباتهم قبل أن يُعبّد وتسير عليه السيارات. ما علينا يقول أحد الحاضرين صف لنا مشهد اللقاء بين الشيخ الجليل والمختار؟ فيجيب الأشيب: حصل ما لم أكن أتوقعه فقد انحنى المختار مقبلاً يدي الشيخ مصطفى، وهذا ما أثار انتباهي حيث أن هذا المختار الأول في القرية، والكل كان يرهبه وأن يقبل يد الشيخ فلا بد أن تكون مكانة الجليل عالية، وهذا ما رسخ في ذهني وأنا طفل، ويومها (يتابع أبو أحمد) سألت جدتي عن ذلك فأجابتني: يجب أن تعرف يا بني أن هذا الشيخ يقدره الجميع وهو رجل صالح ومن الأولياء، ولهذا إياك أن تسيء إليه فدعوته مستجابة، ومنذ ذلك الوقت كبر الرجل في ذهني، ومن المعروف أن ابن الشيخ الأكبر كان مختاراً للقرية أيضاً، وعلى فكرة (يقول أبو أحمد) أن عمواس من القرى النادرة التي لم يتغير مختاريْها ولم يطالب أحد بالتغيير أو الزيادة وهذا دليل على المحبة والتفاهم والعلاقة الجيدة التي كانت تربط أهل القرية، ومن النوادر أن تحصل في القرية (طوشة) أي شجار عام، ولا أنسى دوماً يتابع (الرجل الأشيب) أصدقاءنا ورفاقنا في القرية والذين على قيد الحياة وممن غابوا عن البصيرة أو انتقلوا إلى رحمة الله، وقصصنا وحكاياتنا كثيرة على أرض القرية يا أبنائي (يقول الختيار)، ومشاهد كنت أراها وأنا طفل وتكررت وأنا أكبر يوماً بعد آخر على أرض عمواس، ومنها (عدة دار الشيخ) وهي عبارة عن (سنجق) وأعلام حمراء وخضراء وهي رايات أظن أنها دليل على أصحاب الطريقة الصوفية، وطبل يدق عليه رجل لن أنساه وهو شقيق الشيخ (مصطفى) وكان يُدعى (الشيخ محمد العنباوي) ودفوف، وهذه العدّة لا يُخرجها (دار الشيخ) إلا لمن تبع طريقتهم أو للأقرباء المقربين وذلك في مناسبات الأفراح والأتراح، وكل أهل القرية كانوا يخرجون لمشاهدة المشهد المعبّر.
هذه نبذة أبنائي وجيزة جداً عن حياة يومية في قرية عمواس وعن رجل شيخ جليل لا زال ضريحه شاهداً على وجوده على أرض القرية كما الأضرحة الأخرى لأهل عمواس ولهذا يتساءل أهل القرية ويتوجسون خيفة من المستقبل والتنازل عن أرض وحدود، وكما يشاركهم في الخوف والوجس أهالي قريتي يالو وبيت نوبا.
نحن نتلهف كما يتلهف الجميع لحلول منصفة، مع أن أهل القرى الثلاث رفضوا التبديل أو التعويض!!
قلب الحقيقة: وبتعليق بسيط يعلق الناس على الأرض مدهشين لأولئك الذين يربطون الواقع والحقائق على أسماع العم سام، والتصفيق الحاد الذي جرى من أناس منحازين، وكلنا نقول كما يتردد بين الجماهير الفلسطينية، الحقيقة ناصعة البياض ولكن تحتاج إلى من يتقن صنع نقل الحقائق للآخرين، ولا يضيع حق وراءه مطالب!!
مفاهيم مغلوطة: حين يحاول البعض أن يغيّروا المفاهيم وهم يعلمون ومتأكدون أن قولهم مغلوط يقعون في مصيدة، وتنزلق أقوالهم وأقلامهم، ولا يدركون أن النور ساطع ولن يكون معتماً ولا يمكن أن يتحول المتآمِر يوما إلى متآمَر عليه!!
وأهل منطقة اللطرون يرتجفون خوفاً حين يقرأون السطور ويشاهدون ما يجري!!
21
6 Comments
Like

Comment

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com