الساقي والكؤوس.. لا يهم من تكون.. بهائي راغب شراب
اجمع أيها الساقي الهموم ..
والرصاصات المجندلة ..
من بقايا الجنود .
وشظايا الصواريخ الذكية ، عندما انطلقت
تدك من يحمل الحجر الرؤوم .
اجمع طلقات الحديد المغلف بالسموم .
والقنابل والقيود .
أَلْقِ خلفك الشجون ..
أيها الساقي
وصور الجرحى والبطون ،
عندما بقرتها نيران الجنون .
*
املأ الكؤوس ..
أيها الساقي
دُرْ بين الثغور .
أطلب من الحراس الحضور .
كالعوسج الشوكي
يغرزون نصالهم في العروق .
يرشفون ابتسامات الأطفال
في الشوارع و..
عبر القرون .
يسلبون الصبايا والصبيان ..
من أحلامهم ،
ومن مدارس العلوم .
يشوهون مغامرات المراهقين والخلان
في الحدائق والسهول .
يجددون دماءهم ،
يقيمون الأنصاب والتذكارات ،
يحفرون الخنادق ويقيمون الحصون .
يخشون الخذلان والنسيان ،
يتحاشون الغاضبين القادمين إلى العروش
مع قوافل التغيير والتثوير .
هم يعرفون أنفسهم
يعلمون أنهم ليسوا مؤهلين لأن يكونوا
سندياناً ولا أشجاراً ،
ليسوا طاهرين ليكونوا نوارساً ولا أطياراً ،
ويعلمون أنهم متطفلين على موائد الشعوب ،
كراسيهم ليست لهم ..
لكل ذلك يحاربون الثورات والثوار ..
ويعبثون بالقانون .
وهم أهل البيت موصومون ..
بالحقد الدفين ..
وبالسكون .
ينتظرون أن يأتي الغيث فرادى
ينقذهم من جدب البيادر والكمون .
يأملون بالحضور .
يأملون أنهم حراس الديار
لا أهل القبور ،
*
دُر على الضيوف الجالسين
ولا ضيوف ..
غير أنفسنا مع أنفسنا نقيم ..
ولا نقيم إلا ..
في الخدور والخيال .
نلاعب الخدود ،
نعصر الخمر من النهود ،
وندوس على الصدور .
وزِّع عليهم الخمْر المعتقة بالجروح ،
المصنوعة من ماء الطفولة المسفوح
بسكين الجالسين حول مائدة الانتظار ،
الصائمين عن المروءة والقتال ..
ينتظرون عندما يعلن المدفع ..
الدخول إلى الصلاة ،
يتقاسمون الحوايا والحنايا ،
صور الشهداء ،
وشواهد القبور والشرور .
يحتفظون بها في خزائنهم ..
للذكرى ..
تشهد لهم عندما يُحاسَبون .
عندما تحشرهم القيامة
وتنكشف الخفايا والستور .
*
ولا يعبأون ..
أن يموت الصوت الشجي
وأن يُقْطَع الزيتون .
ولا يعبأون بالدموع ..
أو تفقأ العيون ..
ولا يعوون معني أَنْ وكيف
تسقط الطيور .
لا يسمعون ..
جائعون
لا تكلموهم ..
أفواههم مشغولة ..
يمضغون اللحوم ..؟
لعلهم في يوم ..
قد يجيء ولا يجيء
يشبعون .
ولعلهم يقضمون أنفسهم
يسلخون الجلود .
وجوههم مزيفة ..
منذ أن ولدوا ،
غمرتهم نشوة العقوق .
لا تشيروا عليهم بالنصيحة
ولا أحاديث الرسول .
لا تخبروهم ماذا يفعلون .
هم الصُمُّ البُكْم
هم الحاضرون الغائبون .
*
در أيها الساقي بالكؤوس
العرب جالسون
كأنهم الضيوف ..!
يرشفون عصارة الكؤوس .
يتفرجون على لعبة الموت التي
تسابقهم في شاشة الرؤيا الحديثة ،
وبين الحقيقة والخيال
يحسبون أن القدس تهون ..
ويحسبون ..
أنها أحجار لا تدوم .
يحسبون أنها إسراء في الخيال والظنون .
لأجل ذلك ..
لا يعبأون ..
هم الفاسدون المفسدون ..
الساقطون ..
*
در أيها الساقي
أنت الوحيد من يراهم عراة
الوحيد الذي يسمع ما يكررون ..
من أشعار الزناة .
يعرف ما يسرّون ،
وما يخونون .
أنت الوحيد الذي ينظف مؤخراتهم
في آخر الليل الطويل
يخرج الخوازيق من أطيازهم
ويزيل آثار الحروب .
قبل أن يفيقوا
ويكتشفون ..
أنهم المخنثون ..
قد أُغْتُصِبوا ..
الفاعل من بينهم ..
مجهول ..!
كلهم في النحو مفعولُ بهم ،
والفاعل مطلق السراح
بين نسائهم يجول .
*
در أيها الساقي عليهم
صُبَّ لهم دم الأطفال الشهي
المخلوط بالدموع وإرادة الوصول .
ليرتدّوا إلى جاهليتهم القديمة
حيث توءد البلاد والبنات والثغور .
فاليوم سُكْر
واليوم خمر
واليوم خُنْث
واليوم نوم .. نوم .. نوم ..
لا قيامٌ ..
ولا يحزنون .
*
أفيقوا ..
أفيقوا أيها العرب
أُسْتُبيحت الأرض ..
القرى والمزارع والكفور .
أستبيحت الأعراض ..
وانتشر الفجور .
حوربتم في بضاعتكم من الجواري ،
وبعتم الوقود .
خنتم الرسالة والعهود .
سلمتم مدينتكم ..
القدس يا عرب
تناديكم
هم اليهود ..
هم بني صهيون ..
عادوا ينتقمون ..
لخيبر وبني قريظة والنضير .
عادوا يحاربون محمداً
في مسراه الأصيل .
ارجعوا من منافيكم .
أخرجوا إلى الشمس ..
تداويكم .
التحقوا بالشعوب .
ارجعوا .. ارجعوا
من منافيكم ..
وحطموا القيود .
*
در أيها الساقي بالكؤوس
دع الرؤوس تضرب الرؤوس
دع الخمر تخدر النفوس
در أيها الساقي ..
لا أعلم من تكون
لكن وجهك ما زال يقول .
در أيها الساقي ذي الوجه الدميم ،
ذي القلب الذميم ..
يا صاحب اليد الطولى عند أصحاب الفخامة
في الخمائل والخدور .
در أيها الساقي ..
من أي قبيلة جئت
تستبيح القطيع والمروج .
تملك الأملاك وتوجه الجيوش .
من أي قبيلة جئت ..
تستعبد الفؤوس .
أيها الساقي ..
الكؤوس مِلْكُ يمينك ،
والقاعدين القرفصاء ،
وشوارع النميمة والغباء .
مِلْكُ يمينك السكان والأشجار .
مِلْكُ يمينك التجار ..
من نُحَاكِم ..
أنت أيها الساقي المجهول
أم الكؤوس ..
أم دماء أطفالنا الصغار ..
التي أشعلت شوارعنا ،
أججت النار في صدورنا ،
أعلنت الحرب على التتار ،
في النواحي والمتون .
من نُحَاكِم ..
أنت أيها الساقي
أم الحُكَّام .
أنت ..
أم الإنسان ؟
أنت ..
أم الطير والحيوان ؟
من نُحَاكم ..
أنت ..
أم الأرض والفرسان ..؟
*
در أيها الساقي بالكؤوس
عبئها بدم الشهداء الصغار ،
ذوِّب فيها الحجارة الجرداء ،
اخلطها بدموع الأمهات ..
في كل دار .
دع القوم يشربون كأسهم الأخيرة .
دعهم يشربون .
*
ولا يهم من تكون ..؟
أتكون الساقي الدميم ..؟
أم بداية التكوين ..؟
لا يهم .. لا يهم .. لا يهم ..
من تكون ..