الشاعرة والكاتبة الفلسطينية د. كفاح الغصين.. بقلم/ شاكر فريد حسن 

الدكتورة كفاح الغصين شاعرة وكاتبة فلسطينية من مواليد مخيم النصيرات للاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة، تنحدر من جذور بدوية وتنتمي لعائلة بالأصل من بئر السبع، حاصلة على شهادة الدكتورة في الصحافة الأدبية، وهي عضو في اتحاد الكتاب الفلسطينيين، ومعدة ومقدمة برامج أدبية سابقًا.

اقتحمت كفاح الغصين عالم الكتابة وسطعت في مجال الشعر النبطي والفصيح، وحققت حضورًا لافتًا ومكانة رفيعة في المشهد الأدبي الفلسطيني تحت حراب الاحتلال. تتنوع كتاباتها بين الشعر والأغنية والقصة والرواية والمسرحية والمسلسل وأدب الأطفال، وترتدي الكتابة لديها أثواب خاصة بها هي تنتقيها. كما أنها تهوى العزف على العود، الذي تعلمته في الأردن بدورات مكثفة في العام 1993.

كرمتها الشاعرة الكبيرة الراحلة فدوى طوقان وسلمتها جائزة المرتبة الأولى في مسابقة الإبداع النسوي التي نظمتها وزارة الثقافة الفلسطينية، ونالت جائزة أفضل قصيدة اجتماعية في مسابقة دول حوض البحر الأبيض المتوسط في إيطاليا، وجائزة المرتبة الأولى في مسابقة ابداع الشباب العربي في القاهرة.

وهي صاحبة أكبر رصيد في أغاني انتفاضة الأقصى، بلغت حوالي 370 أغنية وطنية ، أهمها وأشهرها أغنية “شدي حيلك يا بلد من شيخك حتى الولد” التي ينشدها أطفال غزة، وأغنية “ارمي علي من السما”، التي يعتبرها أعل غزة من أفضل أغاني الانتفاضة.

صدر لها في العام 2000 عن وزارة الثقافة العامة في غزة ديوانها الشعري الأول “على جبين بدوية”، ثم ديوان ” عرفت اللـه من أمي”، و”شدي حيلك يا بلد”، و”حصان الوقت”، و”الفتى الشجاع” للأطفال، أضافة إلى ديوان “عساك بخير” المطبوع في الشارقة، ورواية تحت الطبع الآن بعنوان “حنكش مذكرات خيال حقل” “، فضلًا عن مجموعة من الأعمال المخطوطة والناجزة التي تنتظر الطباعة.

تأتي كتابات كفاح الغصين في مسار الهم الوطني وعذابات الإنسان الفلسطيني، وتتناول فيها الوجع اليومي، والحال الاجتماعي، وقضايا الوطن بكل تكويناته المكانية ممثلة بالمدينة والقرية والمخيم والبادية.

وفي أشعارها وأغانيها نجد الوطن الجريح بأبهى صوره، ونراها صوتًا فلسطينيًا وإنسانيًا رهيفًا تتلمس معاناة شعبها وعذاباته وآلامه وأحلامه.

تقول كفاح في نص لها:

في كل ليلة تمر لا أكتب ذاتي فيها على خارطة الورق..

أشعر تمامًا بأنني كوريقة الخريف

حتمًا سيلقي بها الريح لحافة البحيرة لذا..

أجدني أتشبث باليراع

أتوسد ذراع المفردات

أتكئ على زند المسافات

أعارك أحرفي المتمردة،

كي لا يسقطني الريح على حافة البحيرة

من يتابع ويواكب كتابات مفاح الغصين تشدنا بقوة هذه التجربة الثرية بمنجزاتها الشعرية الفنية والجمالية، فنصوصها تعبق بالعشق الوطني والحرية والثورة والنقمة على الظلم والقهر والانسحاق والاحتلال والطغاة، وعلى الوضع الاجتماعي الذي يكتنفه الفقر والجوع والبؤس الإنساني. ويمكن القول إنها شاعرة الوطن والشعب والبداوة المسكونة بالهم اليومي وتفاصيل الحدث، ولسان حال المهمشين والمقهورين والمضطهدين.

من أشعارها هذه القصيدة التي وجهتها للشاعر السوري نزار قباني، أثارت في حينه أصداء واسعة، وتقول فيها:

يا سيـــدي….

أنا لستُ من جيشِ النساء

الدائراتِ مع الأســــــاور….

أنا لا يثرثرُ عن قدومي… موكبي

أو نفخُ عطري

والسجائر….

وستائري…

وغطاءُ مهدي.. لم تكنْ

يوماَ موشاةً.. ولا حتى

حرائر….

يا سيدي….

أنا لستُ أرقصُ مثلَ نسوةِ “برشلونه”

أو.. أقيسَ الفرقَ ما بين

المخالبِ والأظافر ….

أنا لم يكن مشطي من العاجِ المرصعِ.. لا …..

ولا أحتاجَ لؤلؤَ للدبابيسِ التي

في المستعارِ من الضفائر….

أنا لستُ ممن تصرخُ الألوانُ في وجهي

ولا من… تشتكي أذناي

من ثقلِ الجواهر…..

أنا لم أفكرْ..

لو كحلمٍ..

أرتدي ثوبَ الفرح

أعتلي قوسَ قزح…..

وترابي في المقابر …..

وخبائي رهنُ قيدٍ

ونسائي قيدُ كافر…..

أنا لستُ من قوسِ قزح….

أنا لا أجيءُ مع الرياحِ..

ولم أكن بنتَ المباخر….

أنا لا أطيرُ مع اليمام..

ولا أنامُ على ذُرى ريشِ النعامِ..

ولا يُطارحني الغرامَ ضياغمُ العشقِ الكواسر….

أنا لستُ ممن يعشقُ الياقوتُ عنقي

أو تصادقُني المظاهر..

ولحاظُ عيني لم تكن سبباً لمدِّ البحرِ

أو غرقِ البواخر…..

يا سيــدي..

أنا فلسطينيةُ الأعطافِ

شرقيٌ دمي

حرةُ الكعبينِ

عصماءُ النواظر…..

عن ميادينِ الفوارسِ دائماً أغدو بعيداً

لا أشاركُ

لا أعاركُ

لا أخربشُ

لا أناور …..

دمعتي لا افتعلها كي أنلْ منها التعاطفَ

بل أنا في الحزنِ أقوى

أمتطي جرحي

المكابر…..

ليس لي ألفي ثوبٍ

ليس لي عشرونَ شاعر….

لا تعربدُ حين أمضي..

لا الخيولُ..

ولا الحوافر…..

لا ولا حراس قصري ألف ألفٍ

من عساكر….

لم يلج صمتي دخيلٌ ٌ..

لم يفتْ حصني..

مغامر…..

لم يهادنْ سورَ عرضي لا الملوكُ

ولا الأباطر…..

لي وجهٌ بدويً..

ضُمّخَتْ فيهِ

المشاعر…..

وردائي ثوبُ حرة…

ووشاحي سترُ قادر….

أعشق الناي الذي يبكي معي

وتغازلُ مسمعي تلك المواويلُ

السواحر….

إنني حواءُ من طينٍ وروحٍ

هذه بعض صفاتي..

فابتعد يا ابن مساحيقِ التمدنِ

ابتعد عني..

وسافر…..

أنت لا تعرفَ أن تحيا كمثلي

وانا أرفضُ أن أحيا بلا

أي مشاعر…..

وهنيئاً لك بالعصيانِ

وأهنأ بالطقوسِ المائديةِ

واحترس مني

احترس…..

يا ابن الأكابــــر ……

كفاح الغصين شاعرة مجيدة متميزة بخصوصية شعرية، حققت وجودًا وحضورًا في الساحة الأدبية والمشهد الشعري والإبداعي الفلسطيني، تتسم أشعارها بتفاعلات الانساق الأدبية اللغوية في إطار حساسيتها الشعرية المرهفة ورؤيتها البناءة الخلّاقة وفق رؤيتها القائمة على قاعدة خلفيتها الثقافية والفكرية المسكونة بهويتها الكنعانية والبدوية، ويغلب على أسلوبها القوة ووحدة النسج، واما مضامينها فسمتها الصدق والشفافية والواقعية، والتعبير عن عالمها النفسي والإنساني والفلسطيني، وهي صوت شعري واضح بتجلياته، وثري بصوره الفنية الجمالية.

ألف تحية للصديقة الشاعرة والكاتبة د. كفاح الغصين، متمنيًا لها المزيد من النجاح والعطاء والتألق الدائم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com