نبض الحياة.. الثابت والمتحرك في السياسة.. عمر حلمي الغول

من بديهيات العمل السياسي في مختلف أشكال الصراع وبغض النظر عن طبيعة ومحتوى التناقض مع الآخر، يفترض بالسياسي امتلاك ورقتين أساسيتين بيديه، الورقة التكتيكية والأخرى الإستراتيجية، كلاهما مرتبطتين ببعضهما البعض، لا يمكن الفصل بينهما، لأن البعد التكتيكي مشتق من الإستراتيجي، ولا يحيد عنه، لا بل تعتبر نقلاته التدريجية، وعمليات الصعود المتوالية والمتراكمة بمثابة رصف لطريق القوى السياسية الاجتماعية أو القومية نحو الهدف الأساس وفقا لشروط الصراع الذاتية والموضوعية.

مع ذلك لا يمكن التعامل مع أشكال الصراع بنفس السوية، وبذات المرونة والتبسيط، فهناك صراع، وهناك صراع إن كان تناحريا أو عاديا، بتعبير آخر تناقضا تباينيا، أو اقل حدة على المستويين الاجتماعي والقومي. في الصراع القومي من الطبيعي ان يكون الصراع تناحريا، ولا يمكن إلا أن يكون كذلك، ويخطىء من يعتقد او يفترض ان الصراع مع عدو محتل للأرض، ومغتصب للتاريخ والحقوق والهوية يمكن ان يكون صراعا تباينيا، لا بل ان من يقع في هكذا تصنيف خارج دائرة الوطنية، لأن تعبير أو مفهوم الخطأ والصواب، لا يتوافق نهائيا هنا في وسم طبيعة الصراع. كما النموذج الفلسطيني ضد العدو الصهيوني، لا يمكن وصفه إلا بالصراع التناحري العدائي، لأنه قام على النفي والتطهير العرقي والمذابح وجرائم الحرب المتعاقبة، فضلا عن ذلك، بعد ان قدمت القيادات الفلسطينية التنازل، وقبلت باقل مما منحها إياه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 181 في تشرين ثاني/ نوفمبر 1947رفض العدو الصهيوني الإقرار بالحد الأدنى من الحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني، ويُصر على التمسك بروايته الاستعمارية المزورة والملفقة. وبالتالي تحتم عملية الصراع على القوى المنخرطة في الكفاح الوطني التحرري ( إطار منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد) أن تحدد الهدف الإستراتيجي دون مواربة أو بعيدا عن المساحيق والتسطيح، حتى لو تم مرحلة الكفاح التحرري، فهذا لا يتناقض مع الإعلان الدائم للهدف الإستراتيجي لأن عملية التمرحل هنا لا تسقط من يد صانع القرار هدفه الإستراتيجي، ولا تغيبه للحظة في سياق تطور العملية الكفاحية التحررية، لا بل أن الضرورة النضالية، والمصلحة الوطنية القومية تحتم إبقاء بوصلة الثورة مصوبة نحو الهدف الثابت (الإستراتيجي).

وإذا توقفنا أمام العملية الكفاحية الوطنية، فإن المرونة السياسية مطلوبة، ولا تستقيم السياسة دون صعود وهبوط وفق شروط اللحظة السياسية، وتطور المواجهة مع العدو الصهيوني. ولكن المرونة لا تعني هنا إغماض العين عن الهدف الإستراتيجي لكفاح الشعب العربي الفلسطيني، وعدم التأكيد عليه في كل خطوة تكتيكية. لأن كثير من المراقبين عندما يسمع هذا القائد او ذاك يتحدث عن بعض المطالب التكتيكية في إدارة الصراع، يعتقدوا ان القيادة الفلسطينية الشرعية غيبت هدف الاستقلال السياسي الناجز لدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حق العودة للاجئين على أساس القرار الدولي 194 والمساواة الكاملة لأبناء الشعب في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة، وتنازلت عما أكد عليه الرئيس محمود عباس ألف مرة وفي كل خطاباته، خاصة عقد المؤتمر الدولي بصلاحيات كاملة لفرض استحقاقات عملية السلام بوقت ورزنامة زمنية محددة لا تزيد عن عام بحد أقصى، وينحو هذا البعض إلى الإفتراض، بأن هناك من يسوق للحل الاقتصادي. وهذا بالتأكيد لا أساس له من الصحة.

ولكن لا يكفي أن أؤكد انأ او غيري على ما تتمسك به قيادة الشعب الشرعية، انما مطلوب بشكل ثابت ومتواصل التأكيد على المؤكد في الثوابت الإستراتيجية من قبل القيادة نفسها. لا سيما وان الأقطاب الدولية وللأسف بعض الأشقاء العرب ذهبوا بعيدا في منطقهم التصفوي للقضية الفلسطينية، وللأهداف الوطنية الفلسطينية، ويقوموا بعملية ترويض تدريجية للقيادة والشعب لفرض الحل الاقتصادي، وشطب الدولة الفلسطينية المستقلة والقدس عاصمتها، وإسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين من خلال تعميق عملية افستيطان افستعماري في أراضي الدولة الفلسطينية، ومن خلال حماية والمحافظة على الإنقلاب الأسود في قطاع غزة. ويلاحظ أن تلك القوى تعمل وفق خطة مدروسة لتمييع وتبهيت مكانة القضية الفلسطينية، وإبعادها عن مركز صدارة الأحداث وطاولة القوى الدولية في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، رغم الاجتماعات الشكلية والدورية لتلك المؤسسات. بدليل ان مخرجات زيارة هادي عمرو، مساعد وزير الخارجية الأميركي الأخيرة الشهر الماضي، جاءت متناقضة مع ما أعلنت عنه إدارة بايدن، وهو حل الدوالتين على حدود الرابع من حزيران 1967، وتجلى ذلك بمطالبته دولة المشروع الصهيوني بتقديم تسهيلات مالية واقتصادية للسلطة الفلسطينية وبشكل استعطافي، بتعبير آخر، ألقى بالملف الفلسطيني او كما وصف السلطة باعتبارها “غابة جافة” قابلة للاحتراق على كاهل الدولة القائمة بالاستعمار، والرافضة لمبدأ الحل السياسي، والتي اعلن وزير خارجيتها، يئير لبيد، انه يؤيد حل الدولتين، ولكن لا يعتقد بانه ممكن حاليا، وربك يعلم متى يكون ممكنا، هذا إن قبلوا من حيث المبدأ بالحل السياسي. وحدث ولا حرج عن بينت وشاكيد وجوقة المتطرفين من الصهاينة، الذين يرفضون مبدأ الاعتراف بالحقوق الفلسطينية، أو حتى بالوجود الفلسطيني، والدليل إقرارهم قانون “القومية الأساس للدولة اليهودية.”

لذا على القيادة بمختلف مواقعها ومستوياتها الانتباه للأخطار المحدقة بالقضية، وان تتذكر ان ليس كل ما يسمع داخل الغرف المغلقة أو يلمع من التصريحات الإعلامية له رصيد في العملية السياسية. وتعمل على عدم إغفال التأكيد اليومي على الهدف الثابت والإستراتيجي للشعب العربي الفلسطيني وتقرنه بالأفعال السياسية والكفاحية وخاصة المقاومة الشعبية وفق خطو عمل متكاملة باإداة والبرنامج والآلية والإمكانيات.

oalghoul@gmail.com

a.a.alrhman@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com