مولد ورحيل زعيم وقائد.. بقلم/ إحسان بدرة

على مر العصور وجد أشخاص ذو صفات وكاريزما خاصة بها تركوا بصمة دامغة في حياة الشعوب والبشرية ولا يقبلون أن يكونوا مجرد رقم عادي بل هم رقم صعب في صدارة المشهد البشري وسجلوا صفات في تاريخ الأمم التي هم من صنعوا مجد الأمم بالإضافة لتميزهم في إدارة المعارك الوطنية.
وهم من شكلوا الحلقة الأهم من حلقات الصراع في مواجهة
واستشراف المستقبل، والتقاط المفاتيح الأساسية والخروج من دوامة الأزمات بأقل الخسائر الممكنة، كل ما تقدم من عوامل يلعب دورا هاما في تكريسهم كزعماء للأمم والشعوب والحركات التحررية أو الاجتماعية.
ومحمد عبد الرؤوف القدوة الحسيني والمكني بياسر عرفات والمولود في الرأبع من أب/ أغسطس 1929م هو واحد من هؤلاء الأشخاص أصحاب الكاريزما المميزة والذين تمثلوا دور القيادة منذ وعي دور في الحياة حيث أدرك مسؤولياته الشخصية والوطنية والقومية منذ أسس رابطة الطلاب الفلسطيين في مصر حيث وضع نصب عينه انتزاع مكانة القائد الأول للشعب الفلسطيني من الخمسينيات من القرن الماضيوأسس حركة فتح مع أقرانه في اللجنة المركزية، وفي التقاطه لحظة تاريخية هامة دون غيرها في إطلاق شرارة الثورة مطلع العام 1965م و انتزاع السيطرة على منظمة التحرير بالجدارة، وبالقدرة على تقديم لقيادة الشعب الفلسطيني، مستفيدا من تعثر وإرباك القوى الوطنية والقومية الأخرى، وإضاعتها الفرصة من بين يديها، فكان السباق لاغتنام تلك الفرصة الذهبية، التي لن تتكرر ثانية، ووضع يده مع القوة العربية الأكثر تأثيرا في المشهد القومي، مع زعيم الثورة الناصرية البطل، جمال عبد الناصر، الذي خرج من هزيمة حزيران/ يونيو 1967 أقوى، وأكثر حضورا في المشهدين الوطني والقومي، رغم مرارة الهزيمة.
ولقد كان أبو عمار مبدع في إدارة الصراع والعبرقي في التكتيك والمناورة ولم يناصب العداء مع الأنظمة العربية رغم أنهم لم يكونوا معجبين به في البداية ولا بدوره ولا بالثورة الفلسطينية التي استطاعت كسر كل النواميس في المنظومة الرسمية العربية واستطاع تثبيت مقولة ومبدأ ” عدم التدخل في الشؤون الداخلية العربية مع العلم عليم اليقين أنهم ومازالوا يحاولون الهيمنة على مركز القرار الفلسطيني لاستخدام الورقة الفلسطينية في الحسابات الصغيرة وتمكن من اللعب في المسرح العربي والمتعدد المستويات والحسابات، ونجح في الخروج من عنق الزجاجة ألف مرة، ورد الصاع صاعين للكثير من الأنظمة دون فتح معارك معها، حتى من فتحوا معارك معه ومع قيادته، سعى بهدوء المقتدر لتجسير العلاقات معهم، ولم يقاطعهم، ولم يكسر الزجاج الذي يمشي عليه.
ففي لبنان استطاع ياسر عرفات قيادة الثورة بنجاح باهر وبوعى وطني ومنسق بين المواقف الفلسطينية والعربية رغم الأخطاء الصغيرة والكبيرة التي وقعت فيها الثورة خلال وجودها على الساحة اللبنانية من بعد هزيمة حزيران/ يونيو عام 1967م ، ووقع اتفاق القاهرة مع الرئيس شارل الحلو 1969، وخاض الحرب الأهلية مرغما ضد القوى الانعزالية، لأنهم فرضوا الحرب على الثورة تنفيذا للمخطط الصهيو أميركي لتصفيتها، وأسس مع القائد اللبناني القومي الراحل كمال جنبلاط القيادة الفلسطينية اللبنانية المشتركة، وانتصر على الجيش الإسرائيلي المجوقل في اجتياح العام 1982 بعد 88 يوما في أطول حرب عربية إسرائيلية، وأكد للعالم انه سيعود لفلسطين، وفعلا بعد اشتعال شرارة الثورة في (الانتفاضة الكبرى) 1987/1993 في الضفة بما فيها العاصمة الأبدية القدس وقطاع غزة تمكن من العودة على أرضية اتفاق أوسلو. وهو يعلم أنه اتفاق ناقص ومثلوم، لكنه شاء أن يثبت الشعب الفلسطيني على خارطة الجيوبوليتك في الإقليم، وأكمل الرئيس محمود عباس المهام القيادية، وتمكن من تجاوز العديد من مثالب أوسلو مع الحصول على القرار الأممي 67/19 في تشرين الثاني/نوفمبر 2012، الذي اعترف بفلسطين دولة مراقب، وكذلك تم انتزاع العديد من القرارات الأممية لصالح القضية والشعب.
في ذكرى رحيل ياسر عرفات تنحني الهامات الوطنية والقومية عرفانا بدوره التاريخي في قيادة الثورة الفلسطينية المعاصرة، وتحقيق العديد من الإنجازات الوطنية الهامة. وسيبقى اسم ومكانة ورمزية أبو عمار عالية شامخة، تعكس أسطورية الرجل وشجاعته ودهاءه السياسي. ولا قيمة لسجل البطولة والكفاح التحرري دون تسييد الشهيد الرمز ياسر عرفات ” أبو عمار”.

ناشط سياسي واجتماعي وتربوي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com