السحيجة، شيوخ السلاطين وسرقة غزال الكعبة.. مهند إبراهيم أبو لطيفة 

تعتمد اغلب السلطات الحاكمة في المجتمعات التقليدية والشمولية وبعض الأحزاب، على مجموعة من الأدوات لتثبيت دعائم حكمها ونفوذها وسلطتها وتنفيذ إرادتها السياسية أو العسكرية ، وتمريرها بوسائل مختلفة لحشد أوسع إلتفاف شعبي حولها ، أو لتحجيم  وقمع وإرهاب خصومها والمطالبين بالتغيير.

تعتبر هذه الأدوات في الغالب جزءا من المنظومة الأمنية أو الحزبية، وتكون بالطيع تحت إشراف وتوجيه ، وتخضع لتمويل وإدارة مباشرة، ولإثبات دورها وضرورة إستمراريتها وبالتالي إمتيازاتها، تظهر أشد شراسة وعدوانية وتطرفا في تبنيها لتعليمات وأوامر من يقودها عن غيرها من الأنصار والموالين التقليديين والجمهور العادي، وتحاول أن تُجمل وتبرر نشاطها ودورها الوظيفي إجتماعيا بكثير من ” الماكياج ” الوطني أو الديني، وتُظهر نفسها الأشد حرصا  وغيرة على الصالح العام وعلى العقيدة.

من أبرز هذه الأدوات، إضافة للحزبيين والعسكر وطواقم الموظفين والمنتفعين من شخصيات عشائرية أو قبلية وإعلاميين ومثقفين، هم فئة ” السحيجة ” أي المطبلين لأي نظام حاكم ويمكن أن يمثلوا شرائح مجتمعية متنوعة، وفئة بعض رجال الدين المستعدين دائما لإصدار الأحكام والفتاوى ” الشرعية ” لرجل الحكم والسلطة، حسب الطلب وفي جميع الأوقات والمناسبات، مع خدمة التوصيل السريع للمنازل.

لا يعني إقتراب هذه الفئات أو الأدوات، من مركز صنع القرار أو ” مطبخ الحكم ” ومهما حمل من عناوين مقدسة ووطنية ، أنهم بالضرورة الأكثر إنتماء لقضيتهم وهموم شعبهم من باقي فئات وشرائح المجتمع الذي يتبنى وجهة نظر سياسية وإجتماعية وفكرية مختلفة، أو معارضة للنهج السائد، فلم يمنع ” أبو لهب ” بن عبد المطلب سيد مكة ( ابن هاشم بن عبدمناف بن قصي بن كلامب)، لا نسبه ولا قرابته من النبي الكريم صلى الله عليه وسلم (ابن عمه)  من سرقة الكعبة نفسها.

قصة سرقة غزال الكعبة، هي من القصص المذكورة في العديد من كتب التراث، وألف حولها الباحث – المثير للجدل – فاضل الربيعي كتابا حمل عنوان ” غزال الكعبة الذهبي ” صدر عن دار جداول للنشر في بيروت عام 2011، يتتبع فيه كيف قامت عصابة من سفهاء قريش كانت في مجلس شرب للخمر، وسعيا للحصول على المال لشراء المزيد بعد نفاذه، بالتوجه إلى الكعبة وسرقة غزال ذهبي كان معلقا فيها، وهو غزال ( أحد إثنين ) كان عبد المطلب قد إستخرجه من بئر زمزم عندما حفر البئر ونذره للكعبة. ويروى أن أبو لهب قام شخصيا – وكان أحد هؤلاء السفهاء في مجلس السكر- بمساعدة أحد اللصوص على تسلق جدار الكعبة والسطوعلى الغزال الذهبي.

ويروى أن أبا لهب كسر الغزال وباع قسما منه لقافلة قادمة من الشام تحمل الخمر، كانت قد نزلت ضواحي مكة ، ، وتكونت العصابة من : مليح بن الحارث، بن السباق بن عبد الدار، أبو إهاب بن عزيز بن قيس بن عبد قيس بن ربيعة بن دارم، قيس بن سويد.

إستولت العصابة على عنق الغزال وبادلته بخمرالقافلة، وحصل أبو لهب بعد كسر الغزال على عنقه والرأس والقرنين، وأهدى قرطين كانا في إذني الغزال لجارياته.

ليس لظاهرة إستخدام السحيجة ومشايخ السلطان أدنى علاقة بجوهر العمل الوطني أو روح الثورية أو روح المعتقد والدين، ولا يصح النظر إليها إلا على أساس أنها ظاهرة إجتماعية للنفاق والتزلف والمنفعة والإنتهازية، فالسحيج أو شيخ السلطان، على إستعداد لتجيير مواقفه  وتكييفها مع المستبد لتحقيق مكاسبه الخاصة، ولدى غالبية الشعب في أغلب الأحيان حساسية عالية جدا من هذه النوعية، مع أنها قد تقع كثيرا ضحية ممارساتها  وتحريضها وخطابها المضلل، وهذا مبحث معروف في علم نفس الجماهير.

وينقل عن بعض أئمة علم الجرح والتعديل كأبي حاتم الرازي مثلا، تحفظهم الشديد في مجال رواية الحديث على بعض من اعتبروا ضمن حاشية أو بطانة الحاكم أو السلطان، ودائما يتم التفريق بين الوصوليين منهم وأصحاب المواقف والهمة العالية من المشايخ والعلماء الذي يقوم دورهم على النصيحة والنقد الإيجابي، ويعبر عن المقاصد الشرعية التي تهم عامة الناس وفي مقدمتها الكفاح ضد المعتدي الغاصب والظلم الإجتماعي.

لا ينبغي التقليل من مدى خطورة وتأثير هده الظاهرة خصوصا شيوخ السلطان، فهي مثلا من كانت تفتي بجواز الإستعانة بالتحالف لغزو وتدمير العراق، وتفتي قبلها للسادات لعقد إتفاقية كامب دافيد، وهي أيضا من شنت حملة عنيفة جدا لتدمير سوريا، وهي التي طالما كانت أدوات في يد بعض أجهزة الأمن لمواجهة التيارات المطالبة بالتغيير والتقدم والحريات والعدالة الإجتماعية على إختلاف أيدولوجياتها، وبعضها كان المحرض الأساسي على إغتيال بعض أصحاب الرأي ورجال الفكر او الإعتداء جسديا عليهم،ومع أنها قدد تتولى مناصب رفيعة في الدولة  كدارالإفتاء مثلا أو منصب قاضي القضاة، إلا أن مكانها الطبيعي هو موائد الأثرياء والمتنفدين وحلقات الدروشة أو حفلات الطهورلتكملة المشهد.

أما السحيجة، فمكانهم الطبيعي ليس الإنخراط في العمل السياسي أو تمثيل الدولة بلا فكر أو مبدأ ، أو تخريب المظاهرات والإعتصامات والفعاليات الوطنية، والتعدي على الشخصيات والمناضلين، وإرهاب الشباب المتطلع لمجتمع أفضل أو المطالب بحقوقه الإجتماعية، ولكن وفقط ساحات الأعراس والدبكة، وترديد ما يقوله المغني أو قائد الجوقة، ولا مانع من الرقص بالسيف أو العصا أو بالمسبحة ، أو بالسيف والترس معا في حفلات الخطبة أو النجاح بالثانوية أو الوداع قبل  السفر للحج ، أو حفلات السمر او الإستقبال بعد العودة من هجرة طويلة مثلا أو ما شابهها من مناسبات.

مع التأكيد بالطبع على أن هناك كوكبة من الشيوخ الأفاضل والمتحمسين، شركاء الشعب وقادته في نضالهم وكفاحهم من أجل نيل استقلالهم، إلا أنهم يليق بهم أن يلقبوا ب ” شيوخ الشعب” وهده الفئة من علماء الدين الأفاضل هي من تتقدم الصفوف في الساحات وعن جدارة وإيمان واقتناع ، بأن روح العقيدة وجوهرها يجب أن يقود نحو مقاومة المستعمر والمحتل والمتجبر والمتحكم بمصائر الناس وأرزاقها، وأن دورهم الطليعي أساسه كرامة الإنسان وحرية الوطن وليس التأصيل للاستبداد والظلم والتبعية والخنوع.

من النتائج المباشرة على الصعيدين السياسي والاجتماعي للدور الوظيفي للسحيجة ومشايخ السلطان باختصار:

 –  دعم أركان الأنظمة المتسلطة والتابعة بالضرورة للمستعمر الأجنبي أو المحتل

– التحريض على حصار المقاومة وبث روح الهزيمة والخنوع في أوساط الجماهير

– تعميق الهوة بين الحاكم والمحكوم وتهديد السلم المجتمعي بشكل مباشر، والتحريض الطائفي والمذهبي، حتى في إطار المذهب الواحد.

– تعميق الازمات والتناقضات الإجتماعية والإقتصادية

– المساهمة في تفشي الفساد وتعطيل عجلة التنمية والتقدم والإبداع

– ترسيخ حالة الإغتراب السياسي بين الجماهير والأحزاب ومؤسسات الدولة

– تراجع حس الإنتماء الشعبي وتفشي السلبية واللامبالاة والتعاطي النقدي مع أساسيات للدين ورسالته ودوره الأخلاقي والإنساني والتحرري خصوصا في صفوف الشباب.

– زيادة الإحتقان في الشارع، مما قد يمهد لصراعات ونزاعات وحروب أهلية دموية، قد تحصد الأخضر واليابس

– سلب ومصادرة الحريات العامة والخاصة وترويع المواطنين والنشطاء

وعندما يكون المجتمع – كالحالة الفلسطينية – يعاني تحت الاحتلال الاستيطاني الفاشي  المعروف بعدوانيته وممارساته العنصرية وإجرامه ، تكون النتائج وحجم التأثير مضاعفا، ولا يمكن مقارنته سوى بالتعدي على المقدس وسرقة الكعبة.

————————————-

* السحيج: من الدارجة الفلسطينية، وتعني من يشارك في حلقات الدبكة في الأعراس عبر التصفيق الحار بالأيدي طوال الوقت بطريقة استعراضية أو تشجيعية حماسية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com