إسرائيل ميراث التوراة حسب بينت/ عميرة أيسر-كاتب جزائري

في خطاب الأخير الذي ألقاه رئيس الوزراء الصهيوني اليميني المتطرف نفتالي بينت في الأمم المتحدة، والذي تناول فيه جملة من القضايا التي تهم الكيان الصهيوني كان من بينها الحالة الوبائية لفيروس كورونا داخل إسرائيل، وكذلك البرنامج النووي  الإيراني وفصائل المقاومة الفلسطينية…إلخ، ولكن ما شدّ انتباهي في هذا الخطاب هو تأكيده على أنّ  قيام الكيان الصهيوني و عودة الشعب اليهودي إلى الأراضي المقدسة، هو أمر ووصية ربانية إلهية جاءت في التوراة القديمة، والتي يعتبرها معظم المسؤولين الصهاينة مهما اختلفت توجهاتهم السّياسية بمثابة اللبنة الأولى في بناء وتواجد إسرائيل في المنطقة.

فالبلد الذي يعتبرونه رمز الديمقراطية في وسط دول غارقة في الجهل والتخلف والديكتاتورية، قد بنيت على فكرة ومقولة توراتية توارثها اليهود جيلاً عن جيل، طوال ألفي سنة إذ أنه عبر مختلف الحكومات المتعاقبة لأحزاب اليمين المتطرف، كأحزاب شاش والليكود كانت التوراة التي تمثل جدور الحركة القومية للشعب اليهودي، هي الأساس العقائدي والفكري والأيديولوجي والمذهبي للكثير من المسؤولين فيها، وهذا ما أكد عليه رئيس حزب يتسائيل سموتريش في مقابلة صحفية، حيث أنه اشترط على نتنياهو في تلك الفترة أن يتولى حزبه حقيبتي التربية والقضاء لتغيير المفاهيم القانونية والتربوية بما ينسجم مع تعاليم وتوجيهات التوراة حيث قال في تلك المقابلة الصحفية ”   إسرائيل ستعود لتدار كما كانت في أيام الملك داوود وسليمان… بموجب التوراة… وهكذا يجب أن تكون. وهذه دولة يهودية”، وهو  ما جاء في جريدة الشروق المصرية بتاريخ 8 يونيو/ جوان 2019م، في مقال بعنوان” إسرائيل نتيجة للحكم التوراتي”.

فالعقلية التوراتية التي تطغى على نفتالي بينت ومن قبله نتنياهو،  ترى في إسرائيل دولة يهودية صرفة خاصة باليهود دون سواهم من البشر، ولا يحق لغيرهم العيش فيها، ويجب على الفلسطينيين والمجتمع الدولي أن يقبلوا هذه المعتقدات التوراتية كمسلمات قطعية لا تقبل الشك أو التغيير في أي عملية تفاوضية قادمة، وبالتالي فاليهود الذين يعيشون في إسرائيل عليهم القبول بأن دولتهم دينية وبالتالي فتطبيق التعاليم التوراتية في الحياة اليومية للمجتمع الإسرائيلي لا يتعارض مع حريتهم الشخصية، أو مع قوانين الدولة التي تم تغيير الكثير منها في عهد حكم نتنياهو بما يتناسب مع هذه الرؤية الدينية، التي ترى المجتمع والدولة والجوار الإقليمي وتصنف أعداء إسرائيل و أصدقائها على هذا الأساس.

وهذا ما يفسر بعض الممارسات التي قام بها المستوطنون الصهاينة وبدعم كامل من الشرطة الإسرائيلية من اقتحام للمسجد الأقصى، أو سرقتهم للبيوت والمنازل في مدينة القدس وما يحيط بها من مناطق، ومن هذا المنطلق نستطيع أن نتفهم لماذا دائماً الحاخامات في إسرائيل يفضلون ويدعمون الحكومات الدينية التوراتية، أكثر من دعمهم للأحزاب العلمانية مثل “حزب العمال” أو “أحزاب أبيض وأزرق” و”مبام” وحزب “شينوي” و”يسرائيل بلعياه” الذي يطرح مطالب المهاجرين والذي فاز بسبعة مقاعد في انتخابات الكنيست سنة 1996م.

أو غيرها من الأحزاب المنفتحة على الثقافات الأخرى والتي تنادي بالحفاظ على التنوع الثقافي والعرقي والديني للمجتمع الإسرائيلي، وهذا ما تعارضه المؤسسة الدينية الرسمية في تل أبيب وبشدة، وترى في الأحزاب اليهودية صمام الأمام لبقاء واستمرار ما يسمى بدولة إسرائيل، والتي استطاعت بفضل الأحزاب الدينية فرض الكثير من القوانين المحافظة المتشدّدة إلى الشريعة اليهودية وأحكامها، كالزواج والطلاق وأعياد يوم السبت، والقوانين الخاصة بأنظمة المواصلات والحلال والحرام، وتعريف من هو اليهودي…إلخ.

إسرائيل التي قامت على مجموعة من الأساطير التاريخية والمعتقدات ذات المرجعيات الدينية، والتي تسير كما يرى مراقبون إلى حافة الهاوية بخطى متسارعة، رغم أن صناع الرأي والاستراتيجية السّياسية والعسكرية فيها يحاولون تصويرها على أنها الدولة التي لا تقهر في المنطقة، و بأنها من أقوى الدول اقتصادياً ومعرفياً وتكنولوجياً وحتى عسكرياً ولكن كل المؤشرات تدل دلالة قطعية على أن المتدينين الحريديم فيها سيكونون معضلة أسياسية مستقبلاً في طريق تقدم ونمو الكيان الصهيوني، حيث أن نسبة المواليد العالية لديهم ستجعلهم يشكلون 24بالمائة في غضون 12 إلى 15سنة القادمة، وهذا حسب تقرير نشرته وحدة القوى العاملة في الجيش الإسرائيلي والذي يشير إلى أن نسبة الشبان الحريديم الذين لم يخدموا في الجيش في عام 2009م، ستصل إلى 12 بالمائة علماً أنّ نسبة التكاثر بين هذا الجمهور تنافس النسبة بين العرب، وتشير التقديرات إلى أنهم يتكاثرون بنسبة 4 بالمائة سنوياً وربما أكثر في حين أن إجمالي تكاثر العلمانيين اليهود قد تدور حول 1.6 بالمائة، حسب ما جاء في مقال نشره موقع مدار بتاريخ 13مارس/آذار 2009م، بعنوان” الصراع العلماني الديني في إسرائيل من اليسار إلى اليمين”.

وبالتالي فإن نفتالي بينت وبالرغم من إدراكه لهذه الحقائق واطلاعه عليها، إلاّ أنه يؤكد في كل مرة أن إسرائيل دولة توراتية، قامت على أنقاض يهوذا والسامرة، وهي امتداد طبيعي وتاريخي لها، ولكن بالرغم من أن هناك الكثير من المفكرين والمسؤولين والحركات السّياسية والدينية التي ترفع شعار” هوية الدولة الدينية التوراتية”، إلاّ أنها حاولت بشتى الطرق والوسائل عبر مختلف أذرعها الإعلامية تصدير هذا النموذج الديني، على أنه نموذج حكم ديمقراطي يحترم حقوق الانسان ومواثيق الأمم المتحدة والقانون الدولي، فيما تنتقد وبشدّة الأحزاب والحركات والأنظمة السّياسية الدينية في المنطقة، ويصورها  الكيان الصهيوني في إعلامه أو في كتابات مفكريه أو خطاباته السّياسية، بأنها نماذج فاشلة وتكرس الطائفية  الدينية والعنصرية وتضطهد الأقليات، وتنشر الأزمات والقتل والدمار في مختلف مناطق العالم.

بما فيها حركات المقاومة الإسلامية والوطنية في فلسطين المحتلة وخارجها. هذا النفاق السياسي للنخب الدينية والسّياسية الصهيونية يعكس العقلية اليهودية ذات الجذور  التوراتية و التلمودية، التي تعلي من شأن اليهود وتحتقر غيرهم من الشعوب والثقافات والأمم في كل زمان ومكان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com