لماذا يستمر الاحتلال المغربي للصحراء الغربية/ عميرة أيسر- كاتب جزائري

عمل المغرب ولا يزال ومنذ العشرينيات من القرن الماضي، على محاولة طمس الحقائق والمعطيات المتعلقة بقضية الصحراء الغربية التي هي قضية تصفية استعمار لا تختلف عن القضية الفلسطينية في شيء، فدولة الصحراء الغربية التي تمتد على مساحة حوالي 252 ألف كلم على الساحل الشمالي الغربي للقارة الإفريقية تعتبر منطقة ذات كثافة سكانية منخفضة نوعاً ما، إذ يبلغ عدد سكانها الإجمالي حوالي 567ألف نسمة وفقاً لإحصائيات البنك الدولي والأمم المتحدة. كما ذكر موقع BBC NEWSعربي بتاريخ 17نوفمبر/تشرين الثاني 2020م في مقال بعنوان”  الصحراء الغربية: حقائق عن أحد أطول النزاعات في القارة الإفريقية”.

فهذه الدولة التي كانت محتلة من طرف إسبانيا سنة 1884م والتي تسكنها قبائل بربرية أمازيغية في الأغلب الأعم، وحتى قبل استقلال المملكة المغربية سنة 1956م وهذا الأخير كان خاضعاً للسيادة الفرنسية بعدما تمّ احتلاله من طرفها بتاريخ 30 مارس/ آذار1912م، بعدما قام السلطان عبد الحفيظ بالتوقيع على معاهدة فاس التي تعتبر تنازلاً رسمياً من طرف المخزن المغربي عن السّيادة المغربية لفرنسا ودون قتال، والتي بدورها حولته إلى محمية تستغل فيها فرنسا ثروات هذا البلد وتستعبد شعبه في مقابل الحفاظ على عرش سلطانها، وهو الذي كان في تلك الفترة مجرد دمية تحركها باريس من خلف الستار لتنفيذ استراتيجيتها التوسعية في كل شمال إفريقيا، حيث قامت فرنسا باحتلال معظم بلدان هذا النطاق الجيوسياسي المهم جداً لها كقوة استعمارية كبرى آنذاك.

وتوغلت عن طريق بلدانه إلى أدغال إفريقيا لتوسيع حيز نفوذها في القارة السمراء في إطار الإستراتيجية الفرنسية المتكاملة للسيطرة على خطوط إمدادات الطاقة ونقل المعادن والثروات الطبيعية من قلب بلدان القارة، وجعل موانئ كل من الجزائر وتونس والمغرب بمثابة نقاط ارتكاز لتصدير ثروات مستعمراتها الإفريقية لفرنسا، وذلك لدعم الاقتصاد الفرنسي وكذلك المجهود الحربي المتعاظم.

وكانت فرنسا قد فرضت وصايتها على المغرب رفقة إسبانيا تنفيذاً لبنود اتفاق “الجزيرة الخضراء الأندلسية” والذي تم توقيعه سنة1906م بين الدول الكبرى للاتفاق على طريقة لتقاسم المصالح والامتيازات ومناطق النفوذ داخل المغرب، إذ كان مستباحاً للقوى العظمى المشاركة في ذاك المؤتمر كأمريكا وبريطانيا وألمانيا والتي حازت على حصتها من الغنيمة، والتي تمثلت في حصولها على امتيازات دبلوماسية وتجارية من السلطان عبد الحفيظ الذي كان حاكماً للمغرب في تلك الفترة المظلمة من تاريخه، هذا المؤتمر الذي سبقه مؤتمر مدريد الذي عقد سنة 1880م والذي شاركت فيه حوالي 15 دولة، وهي روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل إلى جانب عدة دول أوروبية أخرى. وكان محوره هو تصعيد المغرب ضدّ حصانة المحميين الأجانب ورفضه الاعتراف بقرارات التجنيس التي قامت بها دول أوروبية لسماسرة وتجار مغاربة قصد توظيفهم لفائدتها، وهو المؤتمر الذي انتهى بتكبيل المغرب بقانون خاص بنظام الحماية والتجنيس وأصبحت الامتيازات التي حصل عليها الأوروبيون بشكل عملي معترف به بشكل رسمي، مثلما ذكر موقع الجزيرة وثائقية بتاريخ 14 يوليو/ جويلية 2021م في مقال بعنوان” احتلال المغرب، مأدبة تقاسم القوى الاستعمارية العظمى للمملكة”.

وفي كل هذه المؤتمرات التي ناقشت وضع المغرب داخلياً والأجندات الدولية حول كيفية تقاسم النفوذ بين القوى الكبرى لاحتلاله واستغلال ثرواته، كانت الصحراء الغربية غير مدرجة على جدول أعمال هذه الدول باعتبارها دولة تحت الاحتلال الإسباني ولا تخضع للسيادة المغربية تاريخياً. فإسبانيا التي كانت البلد المحتل لصحراء الغربية طوال أكثر من 90 سنة وطوال تلك الفترة لم يشهد هذا البلد المحتل حرباً قادها ملوك المغرب حتى بعد نيله للاستقلال من فرنسا سنة 1956م لتحريره من نير الاحتلال الاسباني، ورغم ادعاءات المغرب بأن بعض أعيان المنطقة وزعماء القبائل فيها قد أدوا البيعة لملوكه طوال قرون ولكن لم يقدم أية وثيقة رسمية ليثبت صحة ادعاءاته تلك حتىّ وإن كانت اللجنة الاستشارية التابعة لمحكمة العدل الدولية قد أثبتت ذلك بناء على أقوال وشهادات شفهية من بعض زعماء القبائل المحسوبين على المغرب ولكن هذا لا يعني أبداً أن كل قبائل وأعيان دولة الصحراء الغربية  قبل فعلوا ذلك، وهم الذين أدوا البيعة تحت تهديد السيف لبني مران والموحدين قبل ذلك.

والشيء المثير للاستغراب أن المغرب الذي تحتل إسبانيا أكثر من 21 جزيرة تابعة له مثل سبتة ومليلة وجزيرة ليلى…إلخ، لم يجرؤ على طلبها من إسبانيا أو خوض حرب ضد مدريد لتحريرها ولم يقدم ملفاً متكاملاً للأمم المتحدة لاسترجاعها وفق قوانين ومواثيق الأمم المتحدة وهي الجزر والمدن التي تعتبرها إسبانيا جزء من ترابها وأي اعتداء عليها يعتبر اعتداء على الأمن القومي الإسباني.

ففي الوقت الذي كان فيه ملوك المغرب  يقدمون التنازلات تلوى الأخرى للفرنسيين والإسبان وللقوى الكبرى لضمان بقائهم على كرسي السلطنة، خاض الشعب الصحراوي الأبي معارك ضارية وملحمية ضدّ المستعمر الإسباني سقط خلالها آلاف الشهداء وتعرض لمجازر بشعة وقد امتدت فترة المقاومة الاسبانية واشتدت من سنة 1934م إلى غاية خروجه منها في سنة 1976م ليأتي بعده الاحتلال المغربي وذلك بعدما أعلن الملك المغربي الحسن الثاني عن تنظيم المسيرة الخضراء بتاريخ 14نوفمبر/تشرين الثاني 1975م مع 350ألف محتل من أعوانه وعماله على الأقاليم.

قضية الصحراء الغربية في أورقة الأمم المتحدة.

حسب الموقع الرسمي للأمم المتحدة فإن قضية الصحراء الغربية قد تم إدراجها ضمن قائمة الأقاليم الغير المتمتعة بالحكم الذاتي منذ عام 1963م، بعد أن أحالت إسبانيا معلومات بشأن الصحراء الغربية للأمم المتحدة بموجب الماد73(أه) من ميثاق الأمم المتحدة، وفي 26فيفري/ شباط 1976م أبلغ الممثل الدائم لإسبانيا لدى الأمين العام للأمم المتحدة بأن” الحكومة الإسبانية تنهي بصورة حاسمة ابتداء من اليوم، وجودها في إقليم الصحراء وترى من الضروري أن تسجل ما يلي(أ): أن إسبانيا تعتبر نفسها من الآن فصاعداً في حلّ من كل مسؤولية ذات طبيعة دولية تتعلق بإدارة الإقليم المذكور، نظراً لتوقف اشتراكها في الإدارة المؤقتة للإقليم….”(انظر31A11997- ).

وقد أكدت الأمم المتحدة في كل قراراتها الصادرة في حق الشعب الصحراء في تقرير مصيره الغير قابل للتصرف تطبيقاً لمبدأ حق الشعوب في استقلالها وإقامة دول مستقلة، وذلك وفقاً للمبادئ الواردة في قرار الجمعية العامة 1514(د-15) المؤرخ في 14 كانون الأول/ ديسمبر 1960م، والمتضمن إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة.

وإذ نشر إلى قرارها51/143 المؤرخ في 13 كانون الأول/ديسمبر1996م، وإذ نشير أيضاً إلى الموافقة من حيث المبدأ التي أبدتها في 30آب/أغسطس 1988م المملكة المغربية والجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب التي تعرف اختصاراً بجبهة البوليساريو والتي تأسست في 10ماي/أيار سنة 1973م، والتي تعد الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي المعترف بها دولياً على المقترحات المقدمة من طرف الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مؤتمر رؤساء الدول والحكومات المنضوية تحت منظمة الوحدة الإفريقية في سياق بعثة المساعي الحميدة المشتركة التي قاما بها.

وكذلك قراري مجلس الأمن 658 (1990م) المؤرخ في 27 حزيران/يونيو 1990م والقرار رقم 690(1990م) المؤرخ في 29 نيسان/أبريل1991م اللذين وافق مجلس الأمن بموجبهما على خطة التسوية الخاصة بالصحراء الغربية وغيرها من القرارات التي تؤكد على حق تقرير المصير ومن ثم الاستقلال بالنسبة لشعب الصحراء الغربية الشقيق وفق ما أورده الموقع الرسمي للأمم المتحدة في الوثيقة التي تحمل رقم 52/75 والخاصة بمسألة الصحراء الغربية.

وبالرغم من كل هذه القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة والتي رفضها المغرب عدّة مرات وعمل جاهداً على تغيير ديمغرافية الصحراء الغربية بما يخدم أهدافه القاضية بفرض احتلاله لتلك الأراضي المغتصبة كأمر واقع، والسيطرة بالتالي على كل ثروات وخيرات المنطقة من فسفور وغاز وبترول وثروة سمكية هي الأجود من نوعها في شمال إفريقيا، حيث قضت خطة المغرب أن يكون المواطنين المغاربة الموطنين في أراضي الصحراء الغربية بعد تهجير أهلها منها قصراً المشكلين للوعاء الانتخابي الأكبر في أي استفتاء مستقل تجريه  البعثة الدائمة للأمم المتحدة لحفظ السّلام العروفة(بالمينورسو) والتي تأسست بقرار رقم 690 لسنة 1991م في 29 نيسان/أبريل من نفس السنة، تماشياً مع مقترحات التسوية بين الطرفين المقبولة في 30آب/أغسطس 1988م.

وبالرغم من أن هناك حوالي 44 دولة تعترف رسمياً بجمهورية الصحراء الغربية والتي تأسست بتاريخ 27فبراير/شباط 1976م، وذلك بعد ما فاق هذا العدد 80 دولة سحب معظمها الاعتراف بجمهورية الصحراء بعد ضغوط مغربية تعرضت لها العديد من تلك الدول بينما البقية سحبت اعترافها أو جمدته مؤقتاً بعد توقيعها لعقود استثمارية وصفقات اقتصادية مغرية مع الرباط، إلاّ أن المغرب رغم كل ما فعله لم يستطع فرض سيطرته على المنطقة أمام المجتمع الدولي، حيث قضت محكمة العدل الأوروبية ببطلان العديد من الاتفاقيات التي أبرها المغرب مع عدد الاتحاد الأوروبي لاستغلال ثروات الصحراء الغربية المحتلة، كان آخرها الحكم ببطلان اتفاقيتي الصيد البحري والزراعة والتي تسمح لأساطيل الاتحاد الأوروبي بحرية الصيد في المياه الإقليمية للصحراء الغربية وكذا استغلال منتجاتها الزراعية، وذلك بعد رفض سكان المنطقة للسّيادة المغربية على الإقليم لأنه تابع لأراضي الصحراء الغربية، وهوما اعتبر بمثابة نصر مدوي لشعب الصحراء الغربية. كما ذكر ذلك موقع فرانس 24 بتاريخ 29سبتمبر/أيلول 2021م في مقال بعنوان” محكمة العدل الأوروبية تلغي اتفاقيتين تجاريتين مع المغرب تمثلان منتجات من الصحراء الغربية”.

ولكن بالرغم من كل هذه الاعتداءات والممارسات القمعية والتي كان آخرها قيام قوات من الجيش المغربي باحتلال معبر الكركرات الصحراوي، والذي اعتبره مراقبون أول توتر عسكري بين المغرب والبوليساريو منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين الطرفين سنة 1991م، إلاّ أن تجارب التاريخ قد علمتنا أنه لا بقاء لمحتل في أراضي الثائرين، وستكون نهاية الاستعمار المغربي الغاشم للصحراء الغربية كسابقيه ممن حاولوا اخضاع شعب يشهد له تاريخه بأنه لا يركع ولا يهادن ويخشى جحافل الغزاة الطامعين في خيرات أرضه المروية بدماء شهداءه الطاهرين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com