رِسالة أسير.. إيناس لافي

مَرْحبًا…

مِنْ رَحْمِ المُعَانَاةِ جِئْتُ أَكتُبُ

إليكُم مُعَانَاتِي دَاخِلَ زِنْزَانَةٍ

لا تُرْحَمُ وَ لا تَلِينُ ، الكَّثِيرَ مِنَ

اليَّأسِ ، وَ الألَمِ ، وَ النَّهْبِ وَ التَّنْكِيلِ

يُحِيطُنِي وَ السَّجَّانِ قَهْرَ كُلَّ

أضْلُعِي وَ لَمْ يَبْقَ لِي مِنَ العُمْرِ

مَا يُبْقِنِي حَيًا ، أَكْتُبُ وَ الدُّمُوعَ

تَتنَافَسُ عَلَى إنهِيارِي ، وَ السَّجَّانِ

يُصَارِعُ عَلَى إنتِهَائِي ، وَ القَلبُ

يُعلِنُ الإستِسْلامِ ، وَ الجَسَدُ شَائِبٌ

وَ لا يَلِينُ ، وَ الجَمِيعُ يَنْتَظِرُ المَصِيرَ .

أكْتُبُ عَنْ بُعدِ أميّالٍ مِنَ المُعَانَاةِ

أعِيشُ اليَومَ عَلَى أنَّه آخِرُ يَومٌ

لِي عَلَى هَذِه الحَيَاةِ التَّي لا تُرْحَم ،

تُرْجِمُنِي نِيرَانَ العَدُو وَ تَسْتَنْفِز

طَاقَتِي كَإنَّها لا يُكْفِيها مَا فَعَلْتُ

وَ تَعُودُ لإسْتِكْمَالِ مَا تَبَقَى مِنْ أنْفُسٍ

لِتُهَاجِمُه كَمَا يُهَاجِمُ الأسَدَ فَرِيسَتَهُ.

رَقَمْ ٣٣

هَذا هُوَ اسمِي بِدَاخِلِ الزِّنْزَانةِ اللَعِينَةُ

أنَّهُ رَقَمٌ مُهَمَشٌ يَقْتَنِصُ هَويَتِي ، جُرِدَتْ

أنُفَسَنا مِنْ التَّارِيخِ وَ لَمْ يَبْقَى لنَا اسمًا

لِيعْرِفُنا المُعْتَقَلِين .

سَاعَةُ القَرَارِ اقتَربَتْ وَ السَّجَّانِ يَتَقَدَم

نَحْو البَابِ وَ يُصَارِعُ آخِرَ أنْفَاسِنا الأخِيرَة

وَ لا أَحدَ يَعلَمْ مَنْ المَطْلُوبِ هَذِه المَرَة .

أيَامٌ وَ لَيالٍ تَمُرُ عَلينَا كَالصَّاعِقَةِ لكِنَنا مَا

زِلنَا نُقَاوِمُ هَمَجِيةِ هَؤلاء الأنْذَالِ ، لمْ أكْتُبُ

هَذِهِ الرِّسَالةِ فَقَط لِسَرِدِ مُعَانَاتِي بَلْ جِئْتُ

أكْتُبُ لَكُمْ بَعضًا مِنْ جِهادِي أَمَلاً أنْ لا تَغِيبَ

ذِكْرَانا عَنْ عُقُولِهُم .

نَعزِفُ عَلَى قُضْبَانِ السِّجْنِ لَحْنَ انتِقَام

نَتَراقَصُ عَلَى أنْغَامِ الحُرَيةِ انتِقَامَاً كَانَ

بِالأمْسِ وَ مَا يَزَالُ .

أنَا ذَاتَهُ ذَلكَ السَّجِينُ السَّاخِطِ لِقَوانِينِ

مُغْتَصِبِ الأرْضَ المُغتَصَبة ، وَ أقِفُ لَه بِالمِرْصَادِ

كَالصَّيَّادِ الذَّي يَقْتَنِصُ سَمَكَتهُ مِنْ البَحْرِ بِشَجَاعةٍ

دُونَ خَوفٍ أوْ مَللٍ.

مَنْ قَالَ أنَّ الأسِيرَ ضَعِيفاً ؟

فَلْيَشْهد العَالمُ أجمَعْ أننَا هَزَمْنا كَيانَاً وَ أرَعَبْنا بَنِي إسرَائِيلَ فَهذِه الأرْضُ للعُظَمَاءِ وَ الشُّرَفَاءِ فَلْتَسقُط أيُّها الوَغْد الغَاشِم ، فَلْتَسقُط أيُّها الوَغْد الغَاشِم .

الأسِيرُ قَويٌ بِإيمَانِه قَبلَ صَفْعتِه ، فَسِلاحِ كُلَّ أسِيرٍ

إيمَانٌ وَ يَقِينٌ بِاللهِ فَهُو يَجْعلُنا نَصْبِر وَ نَتَحَملُ كُلَّ

ظُلْمِ الاحتِلالَ ، هُو أنَنا أصحَابُ الحَقَ الثَّابِتِ لِهَذِه

الأرضُ الطَّاهِرَةُ .

سَلامٌ وَ مَا بَعْد السَّلامُ حُباً وَ شَوقاً لِرؤيةِ هَذِه الأرضُ

وَ أهلُها.