“عَشِّقْتُ، واشَتَقَتُ، وامَتَشَقَت”.. أ.د/ جمال أبو نحل

بعد رحلة السير على الأقدام ليلاً، انتهي بنا المطاف، للجلوس بُرهةً أمام شاطئ البحر فوق الرمال الصفراء الناعمة الذهبية؛ حيثُ تكتسي الروح حينها بحُلةِ حُلوة مع خلوة فيها الراحة النفسية، وتري السماء الجميلة الجليلة في الليلةٍ القمرية السحرية، تُزينها النجوم المُنيرة العَالية العَليِّة، والنفسُ يُدغدغُها، ويُجليها ويُحليِها نسيم هواء البحر الآتي بنسماتٍ كابتسامةٍ ناعمةٍ انِسيابية، وحينئذٍ تذكرت في هذهِ اللحظات، والأوقات في الخلوات من عمل الصالحات، والطيبات وأداء الصلوات، والسيرة النَبُوِية، لخير البرية، والمسيرة، والسيرة، والسريرة المحمدية العظيمة الوردية القمرية، والغزوات، والسريات، والفتوحات الإسلامية؛ فكانت تلك الفترات أجمل، وأعظم الانتصارات، مع الهدية الربانية التي حلت للبشرية، حينما تجلت، وتجملت، وتحلت، وتزينت في مَبَعثِ نبي الرحمة الكونية، والانسانية، المُبعوث هدايةً، وهَديةً ورحمةً ورأفةً لِلبشرية، وبإطلالتهِ طلت الانوار البهية الأحمديِة السرمدية، بِرسالتهِ الربانية الالهية الخالدة الازهرية، الوردية النورانية، الايمانية، الازلية؛؛؛ فارتقت، وسَمت، وابتسمت، وارتاحت الإنسانية، ونَمَتَ، وسعدت بجمال شريعتهِ الوسطيةِ القُرآنية؛ وبِمولِده أضاءت الدنيا، وأينعتَ، وانجَلت، وتجلت، وكَستَ، وما أوكَسَتَ، وما أركست؛؛ ثُم عُدتُ فأبصرتُ كل ما حوُليِ، وتَأملتُ في السماء، واتساعها، وأمعنتُ النظر في البحرِ، واستمعت، وأنصتُ، لصوت الموج الهادر، فانشرحتُ روحي، وكأنني لملمتُ حينها جُروحي؛ ثُم ما لبثُ سَرحتُ بِما فات، من ذكريات أليمات، فتذكرت من مات فلهم مِنا كل المحبةِ، والسلامات، والتحيات، والدعوات، فقد تركوا لنا أجمل العَبراتَ، والعِظات، والخيرات، والبركات، والعطِيَاتَ وأصدق الكلمات، وأحلى الذكريات؛؛ وفجأة كأن الأرض بي قد ضاقت وما راقت، وزُلزِلَتَ، والنفسُ قد سُئِلتْ، بأي ذنبٍ قُتِلت، والأرواح من الأعداء قد أُزهِقت!!؛؛ فما أفاقت، وحشَرجَتَ، كأنها حُشِّرتَ، والدنيا علينا قد ضَيَّقَتَ، وضَاقَتَ، والأنفس لذلك ما طاقت!؛ وإذ بَأَعْيُنِّنَا حينها بالدمعِ قد جادت، وغرقت، وأفاضت، وسكبت القطرات!!؛ فنظرت حينئذٍ مُجددًا مرات تلو المرات إلى السماء العلياء في ذلك المساء، فدار في مدارِ خُلدي قولهُ سبحانهُ وتعالى:” إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ، وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا، وَحُقَّتْ، وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ، وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ، وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ”.
وكأن ذلك الليل الصريم لن ينجلي، وصارت السماء حزينة وقد تغطت، وغشيها الغائمات، وكأنها أظلمت بعدما أنارت، وبكت، وأبَّكَتْ، على موت الطاهرات العفيفات النَّيِّرَات المُنيرات!؛ حينها دمعت عيني مرة أخري، وترقرقت الدموع في مقلتي فإني قد اشتقت، وتَشَوقَتُ، وشُوقَّتْ، وشق على فراقها، وتاقت لها روحي، وظَلَلتَ نفسي طيف ظلالها، فسرحت فيها، ولكنها جُرحت فما مرحت، وما فرِحت، وما برحت، وما انشرحت فبكت!!؛؛ وتاهت، وهامت، روحي في روحها التي حامت حولي، ودارت، وزارت، وما زالت بي حتي أنارت، واستنارت، وكالقمرِ استدارت، وما برحت بِنَفسي، وما فتأت، وما انفكت، وما مَلتَ، وما قلت، وما زلت عن ذكراها، وكأن صورة أمُي في الموج أراها؛؛ طيب الله أثَرها، وثرَاها؛ وكم تألمت، حينما سرحتُ، ورحتُ فتذكرت صدي صوتها يودعني، وتذكرت لما تكلمت قالت يا بُني هل عَلمِتَ، وتَعَلمَتَ، وتأملتَ، بعدما تأَلمتَ!؛ وعَمِّلتْ، وعَلمَتَ، ثُم تَعِبَتَ، من الناس، وما قُدِّرتْ رغم جميل ما صَنعَتَ، وصبرت، واحتسبت، وأهل الباطل رفضت، فَظُلِّمْتَ!. وعِشَتَ، فَاشَتقت، وعشقت، وعطشتَ، فَطِشَتَ، وتَشَتَتَ، ثُمْ تَغَربَتَ، وصُعقت، وصُدِمتَ، ولكنني صمدت!؛ وأخيرًا امتشقت قلمي من غمدهِ كالسيفِ فكتبت، وحَلمت، ولملمت شعت نَفَسِي، وحَللَت، وتفكرت، وعَبَرت عَمَنَ مَرت، ورَبَتَ، ورَبَّتْ، وأبرت، وما غرت، وما أضرت، وإني عن حُبها ما تُبت!؛ وكفكفت دموعي بكفي، ولكنى عن حبها ما انفككت، وما فَككت، وما سكَتْ!؛ وفكرت عشرات المرات فقلت في الدُنيا لن نلقاها لا في البيت ولا في الساحات، ولا في كل البنايات، والباحات، والفُسَحَات، والطلعات، ولا في كل الطرقات، ولا في الممرات، ولن نجدها لا في المسرات، ولا في المزارات، أو المضرات، ولا في القُربَات، ولم يبقي بعدها في الدنيا ملذات، إلا عبق الذكريات، ولها منا أجمل الدعوات!؛ فإنهُ بعد ممات الأم كل حلو قد فات، ومات، وكل مُر مرير على الفراق آت، آت، ولا فرحة لنا حتى الفراقِ، والممات، ثم اللقاء مع تِلك الرحيمات من القامات العاليات من الأمُهات العظيمات الفُضليات الكريمات المؤمنات البارات الشريفات الماجدات الرائعات الراقيات في أعالي الجنات. لقد اشتقت لكي يا حبيبتي، يا طيبتي، وطبيبتي، ومُقلتي، وشمعتي، ودمعتي، وفرحتي، يا جنتي يا أمُي التي كانت في دنيتي، عشقي، ومحبوبتي، اشتقت للمسة حنان يديك الجميلتين لأُقَبِلهما كما كنت أفعل دومًا قبل الممات!. أحن كل يوم الى حضن أُمي، وعلى فراق أمُي أَكادُ أجُن، فكل وقت لها أحِنُ، فدامت بركاتُ، ورحمات أمي، وروحها الذي كان عاطرًا كالريحان، والمسك، و الأرجُوان، فيا لرونقةِ عطر أمي، ونور أمي، وجَمال حُضور أمُي. وأنا إن متُ فادفنوني في قبر أمي، وضعوني في حضن أمُي، فقد شِّخْت، وهرمتُ، بعد موت أمُي؛ فهي التي ربتني، ورحمتني، وكفلتني، وارضعتني، وراعتني، وواستني، واسعدتني، وأعطتني، ووعظتني، وقوتني، ولما فارقتني، كُسِرتُ، وكأنني أُسَّرتُ، وبعدهَا والله ما سُررتُ!؛ وشَقت على الدنيا وزنقت، وحلقت، ودقت، وبَقت، وما أبقَت!؛؛ وجَفت، وأوجَفت، وأوجَلت، ووكستَ، ونعت وما أينعت، و ما سقت، وتخلت، وكأن الأرض انشقت، وحَقت، وخفَقت وخفضت، وما رفعت، وكأنني بعدها ما عشتُ، وما عَشقتُ، وبموتها كأني عُدِمتُ الحياة، ومِتُ، ومُت!.
الباحث والكاتب المحاضر الجامعي، المفكر العربي والمحلل السياسي
الأديب الأستاذ الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد عبد الله أبو نحل
عضو نقابة اتحاد كُتاب وأدباء مصر رئيس المركز القومي لعلماء فلسـطين
رئيس الهيئة الفلسطينية للاجئين سابقًا المفكر العربي، الإسلامي والأستاذ الجامعي
عضو الاتحاد الدولي للصحافة الإلكترونية ـ dr.jamalnahel@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com