قصة من الواقع..(رحلة الموت في سبيل الوصول الى أوروبا).. عبير المدهون

فجأةً وجدتني اسافر مع ابي وحدنا في رحلة اللجوء الى أوروبا. حالنا حال الكثير من الناس الباحثين عن الأمان.. الباحثون عن فرصة لحياة افضل من هذا الجحيم الذي فرضته علينا العصابات والفساد، والحرب التي لا زالت تحصد الارواح، والفقر الذي ينتشر في كل مكان ،لم يكن اتخاذ قرار السفر الى المجهول سهل ولكن مرغم اخاك لا بطل.
كان ابي احد الثوار الذين تمردوا على الواقع المرير الذي نعيشه ، ولم يكن هناك سبيل للخلاص من هذا الجحيم الا بالهروب منه بحثاً عن الأمان. فقررنا انا وابي الهروب سراً بعد ان اتخذت القرار انا و زوجي على ترك حماية الأطفال عليه بعد جهد كبير من الاقناع ،تركت بناتي عنده وعند خالتهم الصغيرة خوفاً عليهم من مشقة الرحلة الطويلة بين الدول وصولاً الى أوروبا. وحان وقت الرحيل ودعتهم وسط دموع حارقة وبكاء وطفلتي الصغيرة تتمسك بي حتى لا اتركهم او ان اخذهم معي، ولكني لم استطع وعدتهم عند وصولي ان اعمل جهدي على ان يلحقوا بي سريعاً لنجتمع مرة ثانية، وعدتهم بعمل لم شمل لهم جميعاً ولكن بطريقة شرعية حتى أجنبهم مشقة رحلة اللجوء المهينة والخطرة والشاقة .و وسط حزن شديد تمسكت بي طفلتي الصغيرة ولكني رجوتها ان تنتظرني وعدتها انها فترة بسيطة وسوف نجتمع من جديد احتضنتها وشممت رائحتها وطبعت قبلةً على خدها وسلمتها الى اختي بعد ان وصيتها عليهم ،وتركتهم سريعاً واخذت حقيبة الظهر الصغيرة انا و والدي لا نحمل بها الا بعض الحاجيات المهمة والأوراق والشهادات وبعض الطعام وقطعة او اثنتين من الملابس . وخرجنا سريعاً حتى نلتقي بالمجموعة الهاربة معنا توجهنا الى منطقة الحدود للدولة المجاورة في رحلة شاقة بعد ان سرنا لفترة طويلة داخل الغابة كان الجو بارداً جداً.
وفي المجموعة كان هناك عدد كبير من العوائل والشباب أطفال ونساء من مختلف الاعمار بكاء الأطفال كان يمزق قلبي وصورة بناتي لا تفارقني ،ولكن لا سبيل الا الصمود .ضللنا الطريق وسط الغابة الكثيفة ومرت عدة ايام الى ان استطعنا التواصل مع الدليل ،الذين لم نهتد الى مكان المتفق عليه على حد زعمه .كانت أيام صعبة جداً برداً شديد اصوت مخيفة في الليل، كنا نتجمع في مجموعات صغيرة ننشد الدفئ حول موقد النار الذي اوقدناه من اغصان الأشجار الجافة التي جمعها الشباب من الغابة. لم يكن صراخ الأطفال يهدئ الا في وقت متأخر من الليل، ليحل مكانه صوت حفيف الأشجار والرياح. ليالي مرت الى ان وصل بنا الحال الى الساحل ،وكان الطعام والماء الذي نحمله معنا قد شارف على الانتهاء. وجدنا انفسنا امام عدد من المسلحين الذين طلبوا منا التخلص من كل ما نحمل حتى لا نشكل وزن كبير على القارب.
لم تكن قوارب خشبية كما كان الاتفاق بل مطاطية عليها محرك.
دخل الخوف الى قلوبنا وهم يقومون بتوزيع سترات الحماية من الغرق علينا، والتي لم تتوفر الى عدد كبير منا..كنت أنظر الى ابي في نظرة خوف فهو يعلم انني لا استطيع السباحة رغم كل محاولته ومحاولات زوجي لتعليمي سابقاً. احتضنني ابي وكأني طفلة صغيرة وقال ابنتي القوية لا تخاف وهي مع ابيها. جلست بجانبه في الزورق وهو يحدثنا عن زمن الطفولة وكيف كان يأخذني معه على متن قارب صغير نسميه فلوكة بالعامية وكيف سقطت منه مرة وهو انقذني، في محاولة منه الى شد انتباه وانتزاعي من حالة الخوف وسط بكاء الأطفال، ودعاء النساء، وهدوء الرجال .كانت رحلة مخيفة وسط والامواج التي كانت تضرب القارب بقوة.
تمسكنا ببعضنا ونحن نصلي وندعو الله ان يرحمنا مما نحن فيه.لم يفارقوا بناتي تفكيري لحظة واحدة ولكني كنت اواسي نفسي ان ذلك من اجل حمايتهم وتأمين حياة افضل لهم بعيداً عن الحرب.فما كنت استطيع الهرب بهم وتعريضهم الى رحلة مخيفة كهذه فما كان سيدوم صمودي ساعة امام ضعفهم والخوف عليهم .
بعد ساعتين من الخوف الشديد وبكاء الأطفال وصراخهم وخوفي وخوفهم وصلنا الى شاطئ الدولة المنشودة التي سوف نستقل منها قطار الى الحدود المرجو الوصل اليها حسب الخطة، وفي ثواني أحاط بنا المسلحون وفصلوا النساء عن الرجال والأطفال وتم نقلنا الى محطة قطار قديمة ثم وصل القطار لم يكن كما نتصور با قطار لنقل البضائع ،لتبدأ رحلة جديدة من الخوف ،وبطريقة همجية ركبنا المقطورات وسط خوف ورعب مما يدور حولنا لم استطع رؤية ابي ودب الخوف قلبي ،
كنا متكدسين بشكل مخيف داخل المقطورة ،وطلب منا عدم اصدار أصوات والسيطرة على الأطفال قدر الإمكان .
حاولنا التزام الصمت وسط الخوف وبكاء الأطفال طلب للماء والطعام .
وتحرك القطار بنا.لم نعلم هل كانت اربع ساعات او تجاوزتها بقليل ولكنها كانت دهر بالنسبة لنا ، ثم توقف القطار أخيرا لتفتح الأبواب ويطلب منا النزول، اجتمعنا مرة أخرى بالرجال وكانت هناك شاحنات كبير تقف بالمكان شاحنات لنقل اللحم او الخضار !!؟
تفاجئنا من المنظر فنحن كنا ننتظر ان نرى حافلات كبير هكذا كان الاتفاق!!
ولكنهم صرخوا بنا بلغة لم نفهمها فتحو أبواب الشاحنات وطلبوا منا الصعود اليها تحت تهديد السلاح.
كان مشهد مخيف تعلقت بيد ابي واحتضنته ابي في ورجوته ان لا نصعد اليها، شعوري في هذه اللحظة كان مخيف ولكن لا سبيل للهرب صعدنا جميعاً بقوة السلاح الى الثلاجة وجلسنا بجانب بعضنا البعض احتضنت ابي في وشعرت بدقات قلبه المتسارعة رغم ادعاءه الهدوء .
بكينا في صمت، أغلقت الأبواب وحل الظلام سارت الشاحنات وبعد وقت قصير بدأنا نفقد الهدوء والسيطرة على النفس ،ونشعر بالاختناق بداء صوت الأطفال في الارتفاع زادت الحرارة داخل المكان وعمت الفوضى والطرق على جوانب الشاحنة وسط صراخ الرجال والنساء والأطفال الذين شعروا بالاختناق في محاولة منهم الى لفت نظر السائق
ان يتوقف وان يفتح لنا الأبواب ، ولكن دون جدوى ولا حياة لمن تنادي .
عندها ادركت اننا ضحية لعصابات الاتجار بالبشر ،
لم اتمالك نفسي وبدأت بالصراخ والبكاء فأنا اكره الأماكن المظلمة صرخت من قلبي وصورة اطفالي في مخيلتي لا تفارقني ماذا فعلت بنفسي وفي ابي اين وعدي لهم حين ودعتهم ان اللقاء قريب؟
اجهشت بالبكاء وصرخت بأعلى صوتي ،،،
ثم استيقظت من كابوس كنت احلم به .بكيت بحرقة وشكرت الله على نعمة الامن والأمان التي نعيش بها …….

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com