ماذا بقي من أمريكا في منطقتنا ؟.. د/ منذر الحوارات

 قلما مرّ أسبوع أو شهر خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين دون زيارة لمسؤول أمريكي كبير للمنطقة العربية، ابتدءاً من الرئيس إلى ما دون ذلك من سلم القيادة، لكننا نشهد في العقد الثاني تراجعاً واضحاً في عدد الزيارات والاهتمام الأمريكي بالمنطقة، فقلما نشاهد مسؤول رفيع يقوم بزيارات مكوكية بين الدول لحل او تعقيد قضايا المنطقة، في الماضي كان لكل قضية مبعوثها الخاص أما الآن فلا نشهد سوى مبعوث لقطاع جغرافي كامل موكول إليه أغلب القضايا، ليس هذا فحسب، ففي الماضي كان حجم التبادل التجاري مع الولايات المتحدة في أعلى مستوياته ويتربع على المركز الأول أما الآن فقد تراجع حجم  ذلك التبادل كثيراً، فمثلاً دول الخليج العربي كانت علاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة تحتل المرتبة الاولى أما الان فقد تراجعت إلى مستويات أدنى بكثيراً مما كانت بينما قفزت الصين الى المرتبة الأولى وازداد حجم تبادلها التجاري بعشرات الأضعاف مع دول الخليج العربي، وقس على ذلك بقية الدول العربية، أما الثقافة الأمريكية والتي هيمنت على العقليات خلال عقود طويلة فقد بدأ منافسين جدد يزاحمونها المكان، صحيح أنها لازالت تقف في صدارة صناعة الذهنيات والقناعات لكن تلك المكانة مرشحة للتراجع بسبب تغيّر صورة الولايات المتحدة بالذات بعد معاركها الدينكوشوتية في المنطقة منذ غزو العراق.

أليس مستغرباً أن تغادر الولايات المتحدة بهذه السهولة بعد كل تلك الحروب ؟ ومنافسيها على المنطقة كُثر والصين أولهم وأقواهم، هل تراهن على إسرائيل؟ الدلائل تشير إلى ذلك، إذ نلحظ منذ حكم ترامب تركيز كبير على حسم ملف الصراع العربي الإسرائيلي لصالح الأخيرة، مع دفع أمريكي للدول العربية للتطبيع معها، أما في حكم بايدن فبدا واضحاً ان النية تتجه لإيجاد شراكات أمنية واقتصادية مع  دولة الاحتلال تحاول إيجاد تشابك اقتصادي أمني يكون نواةً تحالف مستقبلي يحل محل الولايات المتحدة مع وجود إسناد خلفي من قبلها، وقد وصل الأمر بأن أصبحت إسرائيل هي المنفذ الوحيد لتلك الدول إلى قلب الولايات المتحدة والتي بدأت تمارس عجرفتها وفوقيتها بالذات فيما يتعلق بحقوق الإنسان، إذ بعد عقود طويلة من العلاقات والشراكات الإستراتيجية، يبدو أن هذا الأمر بات يُتخذ حجة لجعل إسرائيل تبدو كمنقذ لتلك الدول من لوبيات السياسة الأمريكية، ويبدو أنها نجحت في ذلك فأصبحت أفئدة الدول تهوي إليها في محاولة للخلاص من مأزق حقوق الإنسان .

لكن هل ينجح كل ذلك في جعل الولايات المتحدة حاضرة ومؤثرة في مشهد الإقليم، الدلائل تشير عكس ذلك، فموجة العلاقات مع إسرائيل وجعلها قاعدة الارتكاز لتحالف امني اقتصادي يكون لها فيه اليد الطولى، سترفضه شعوب المنطقة والقوى الإقليمية والدولية الطامحة لملىء الفراغ الأمريكي، والواضح ان الشركات الاقتصادية ستحدد  مستقبل التحالفات الإستراتيجية المقبلة للمنطقة، بالتالي فإن أهم منافس للولايات المتحدة سيكون الحاضر الأكبر في مستقبل الإقليم (أعني الصين)، هل هذا يتطلب عودة عسكرية أمريكية، حتى لو حصل هل تستطيع إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وقطع يد الصين الاقتصادية عن المنطقة، اعتقد انه فات قطار هذه اللحظة، وعلى ذلك فإن إعادة إحياء الدور الأمريكي من خلال إسرائيل هي مراهنة فاشلة ولن تصمد طويلاً وما على الولايات المتحدة سوى الذهاب إلى الصين نفسها في محاولة يائسة للدفاع عن إمبراطوريتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com