بعد عمر متقدّم في تاسا ويركـــان (Tassa Ouirgane)  بقلم: مارك أبل، برنامج مزارع لمزارع ومتطوّع في مؤسسة الأطلس الكبير

كنت خلال الفترة مابين 1985 – 1986 متطوعا ً بهيئة السّلام وأعيش في وادي عزّ الدين حيث كنت أعمل لصالح المديرية الاقليمية للمياه و الغابات و محاربة التصحر بالمغرب لدراسة وإحصاء آخر ما قد يكون من قطعان المغرب البريّة البربريّة. هذه القطعان البريّة من الضأن كانت تعيش على مساحة 2000 هكتار من محميّة جبليّة في منتزه توبقال الوطني عبر نهر عزالدين مباشرة ً من القرية الصغيرة المسمّى “تسا ويركان”( Tassa Ouirgane). وكنت أنطلق من هذه القرية الصغيرة أنا ونظيري عمر من المديرية الاقليمية للمياه و الغابات و محاربة التصحر للقيام بجولات داخل المحميّة لتوثيق وجود وحركة هذه الحيوانات. ومن المحزن أنّ الأغنام البربريّة لم تعد تعيش اليوم في المحميّة، وحسب أقوال الفلاحين فإنها انتقلت إلى مناطق أعلى في الجبال للهروب من تأثير البشر. ولكن بالطبع سكان تاسا ويركان ما يزالون هناك ويحاولون العيش من قاع النهر الذي تغيّر بفعل فيضان ٍ دراماتي في عام 1995 وتغيير في المناخ. لقد تمّ جرف هكتارات من الأراضي كانت مزروعة لأجيال بفعل الفيضان.

 والمزارعون في الوقت الحاضر على طول وادي النهر لم يعودوا يعتمدون على ذوبان الثلج والمياه التي تتدفق من الجبال لري أشجار الفاكهة والجوز. هذا صحيح بشكل خاص في الأشهر يونيو ويوليو وأغسطس عندما يسيل بالكاد مجرى هزيل من المياه من الجبال لقنوات الري الخاصة بهم. وعلى العكس من ذلك، فعندما تمطر تصب. وكلّ المحاولات لإعادة بناء مدرجات حدائق الفلاحين في أسفل النهر قد أحبطت بسبب الفيضانات ذات الدرجة الأدنى. ومع ذلك، فإن سكان تاسا ويركان سريعو التكيُّف ولا يغلقوا أبواب منازلهم أبدا ً في أوجه الغرباء.

هناك حنوّ عميق وملتزم في هذه القرية حول مستقبل سكانها كما يتضح ذلك من قبل مجموعة من الرجال المعروفة باسم جمعية تاسا ويركان للبيئة والثقافة. أضف إلى ذلك، هناك تعاونيّة نسائيّة تشكّلت بمساعدة مؤسسة الأطلس الكبير لمساعدة شابات من القرية على تحسين دخلهم من خلال بيع مشغولات يدوية. ولقد أصبح النهج التشاركي الأساس الوطيد لمؤسسة الأطلس الكبير في مساعدة الساكنة المحليّة لتحديد أولوياتها بأنفسها. وقد استخدم هذا النهج في عام 2012 من قبل المؤسسة مع سكان تاسا ويركان لمساعدتهم على تحديد أشدّ احتياجاتهم وتحسين البنية التحتية للمياه لري أشجارهم، وهو ما أصبح أمرا بالغ الأهمية.

هذا العام، في أبريل 2017، كان لم شمل سعيد بالنسبة لي كمتطوع في مؤسسة الأطلس الكبير وبرنامج مزارع لمزارع (F2F) للعودة إلى تاسا ويركان والإلتقاء بجمعية الرجال التي التقيت بها العام   الماضي كمتطوع. بالطبع، كانت القصص عن أيامي الأولى في هيئة السلام في هذه القرية في الثمانينات من القرن الماضي متعة للتذكّر ، حيث كنت أول المتطوعين الأمريكيين الذين عملوا هناك وفي المنتزه مع كثيرين آخرين من بعدي. بطريقة ما، بعد 30 عاما كانت دائما ً حكايات دراجتي الناريّة الصفراء وغيرها من الممتلكات القديمة مدخلا ً للحديث لإدخال الفرح والسرور لقلوب الجميع ونحن نجلس حول شرب الشاي وتناول الغداء في بيت السيد الرئيس سمحمد إذنا، رئيس جمعية الرّجال. وبالرّغم من أنّ العديد من هؤلاء الرجال كانوا صبيانا ً صغار السنّ في منتصف ثمانينات القرن الماضي، كانوا يضحكون مع الكبار كما لو كنت أعمل البارحة معهم. يقع منزل السيد الرئيس على التل مع منظر خلاب للحديقة ووادي نهر عز الدين – منظر وبانوراما لا تكلّ ناظريّ أبدا ً من رؤيتها.

كان لدي سبباً وجيها ً لزيارة هذه المجموعة مرة أخرى. فقد ساعدت في العام الماضي بصفتي

 متطوعا ً لدى مؤسسة الأطلس الكبير ومزارع لمزارع برسالة توصية وجهتها إلى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) لتخصيص منحة أعطيت هذا العام فقط بمبلغ 000 48 دولار.  هذه ستقطع شوطا طويلا نحو مساعدة القرية لتفي برؤيتها لتحسين الري والفيضانات والسيطرة على تآكل التربة وإنشاء بئر جديد

ومضخة تعمل بالطاقة الشمسية ووسائل لتخزين المياه للأوقات الجافة من السنة، وأخيرا ً السمة المميزة لأي مشروع من طرف مؤسسة الأطلس الكبير، ألا وهومشتل للأشجار. تاسا ويركان تزرع بالفعل مجموعة متنوعة من الفواكه والمكسرات بما في ذلك الزيتون والجوز والدرّاق والخوخ. ومعظم هذه الأشجار تنتمي إلى أفراد. وهدف مؤسسة الأطلس الكبير هو مساعدة القرى الريفيّة، مثل تاسا ويركان، كي تبدأ في مشروع مشتل أشجار يخصّ الساكنة المحليّة يزرع فيه الفلاحون المحليّون شتلات توزّع فيما بعد على المزارعين في الوادي ممّن ليس لديهم أية أشجار فاكهة أو جوز.

ومن خلال منحة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تتاح الفرصة ل تاسا ويركان لتصبح مثالا على التنمية المجتمعية التي هي فعلا ً في أيدي المجتمع المحلي. وفيما كان لدينا نحن الفرصة لتقديم القرية لمديرة المشاريع لدى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في المغرب، السيدة بديعة سهمي، ومناقشة أهداف وتفاصيل المشروع الذي قام مكتبها بتمويله بسخاء عن طريق مؤسسة الأطلس الكبير. كان من المثير للاهتمام أن نسمع مجموعة الأفكار الكامنة وراء المنحة. وبالنسبة لجمعية الرجال فإنه سيكون لها في نهاية المطاف فرصة الحصول على البنية التحتية التي يحتاجون إليها  للحفاظ على أشجارهم.

عبر مواسم الجفاف. وفيما يتعلّق ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإنهم يرون ذلك كفرصة للقرية لتكون بمثابة نموذج لمرونة المجتمع على التكيّف عندما تكون جميع “القطع” في مكانها. ومؤسسة الأطلس الكبير في موقع مثالي للمساعدة في تحقيق هاتين الرؤيتين. وللبدء في هذا المشروع، سيقوم الوسيط يان ثيباود من بلجيكا بقضاء شهرين في تاسا ويركان والقيام بعمليات مسح للقرى الأخرى في الوادي لتقييم قدرتها على الشروع بإنشاء مشاتل من طرف مؤسسة الأطلس الكبير. يان في نفس العمر الذي أتيت به لأول مرّة إلى تاسا ويركان قبل 33 عاما ً حيث كنت شابّا ً. وسيعمل بنفس شعور الإلتزام والإخلاص لهذا المكان الجميل وسكانه الرائعين. وأنا فخور لتمكني من تسليم الشعلة بعد كلّ هذه السنين ومشاهدة تاسا ويركان وهي تصبح أكثر مرونة وتكيّفاً  في وجه المناخ والبيئة المتغيرتين.

__________________________

مارك أبل هو عضو هيئة التدريس في جامعة أريزونا في الولايات المتحدة كمرشد ويعمل على قضايا التنمية المستدامة. وقد أكمل مؤخرا كمتطوّع مهمتين إستشاريتين في المغرب مع برنامج “مزارع لمزارع” من خلال مؤسسة لاند أوليكس O’Lakes للتنمية الدولية. يتمتّع السيد أبل بأكثر من 30 عاما من الخبرة في العمل في قضايا البيئة واستخدام الأراضي والإستدامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com