حياة مشتركة .. منذ الـ 48/ كتبت مريم الهباش/ غزة

سمعنا عن اجدادنا، وروي لنا آباؤنا الكثير، ورأينا وما زلنا نرى ما يكفى لكتابة تاريخ جديد، تذهب كل كلمة سمعناها ومشهد عايشناه لتتجول بأرواحنا قبل اعيننا في اسوار افكارنا ومستنقع تحليلاتنا العقلية، باحثة عن عنصر مشترك، لتكتشف بانه لا يوجد عنصر مختلف وأن الزمن يعيد نفسه وكأن الحياة والمعاناة تتوارث، وكأن أجدادنا وآباؤنا ونحن عشنا في توقيت موحد ولكن لكل فترة تَكتِيكِها المختلف شكليا.

عن أي جيل تريدون ان نتحدث ..

عن جيل النكبة، من خرج من بيته دون ان يعلم الى أين يتجه دون ان يعلم ما يدور حوله من اتفاقيات لسرقة ارضه وممتلكاته، الجيل الذي عاش التهجير بكل معنى الكلمة دون ان يعرف معناها، جيل اللا شيء سوى مفتاح العودة، لانهم سيرجعون بعد بضعة ساعات، او أيام، أو بالأكثر بعد أسبوع كما اعتقدوا او كما قيل لهم ! لا يهم. 

الجيل الذي ترك كل شيء هارباً من عنجهيةٍ لا رحمة بها، عنجهيةٍ دمويةٍ طاحنة، لا تعرف سوى الارتواء من دماء أجدادنا، لا تفهم لغة احتراق الأم على فلذة أكبادها، لا تؤمن بوجع الفراق، لا تقدر ثمن التشتت في بقاعٍ جعلت من كرامة الفلسطيني مذلة، وكأنا نحن من تركنا بلادنا رغبة لنأتي ونستحل بلادهم قصراً، هل يعقل أن تنقلب الآية ؟!

أم جيل الانتفاضة، جيل الغضب، جيل الثورة، جيل المعتقلين، هو الجيل الذي كان فيه الشاب يحرم من خمسة وعشرة وعشرين سنةً من عمره، لأجل كلمة دافعة بها عن ابنة موطنه امام جندي صهيوني متجرد من معاني الإنسانية.

الجيل الذي كان يقف لساعات طويلة ينتظر بها إذن مرور عبر بواباتٍ كان يتحكم بها أطفال الكيان الإسرائيلي بحسب مزاجهم المتعفن، الجيل الذي كانت فيه الأم تنتظر قلقا وشوقا لرؤية وجه ابنها الذي تخلى عن أحلامه وطموحاته، من أجل أن يصبح ثائراً مناضلاً مدافعاً عن أرضه.

الجيل الذي كانت فيه السجون تبتلع كل من يتفوه بكلمة تحريض ضد الاحتلال، كان يتخلل بين زواياها من يدعو للنضال والثورة، من يتمتع بالحس الوطني الصادق، الجيل الذي كثر فيه المتصهينون على أبناء الوطن.

أو هل تريدون أن نتحدث عن جيل الانقسام، الذي استنشق هواء الحزبية، الذي تَشرب أفكار الانحياز حتى ثمل بها، دون ان يعرف أين الحق وأين الباطل. 

 شباب هذا الجيل الجالسون بعضهم على الطرقات، أعينهم محدقة بالأفق ولسان حالهم يناجي من له ضمير، لسان حالهم يشكي إلى الله أعمارهم الذي تذهب سدى دون الحصول حتى على أقل القليل من متطلبات حياتهم اليومية. 

وبعض الاخر تحدى الوضع وتحدى نفسه وقاوم واستبسل لتحقيق ما يتمنى، الذي صنع من المستحيل طريقا ليمشي عليه، من أطلق إبداعاته للعنان، ليصطدم بأكبر عقبة ألا وهي -المعبر- ويبدا بعدها المسلسل الدراماتيكي والاسئلة الاعتيادية من سيسمعنا ! من سيمد يده للمساعدة ! ونحن نكن على ثقة تامة بان الجواب سيكون ب -لا أحد- 

ويبقى السؤال من هو الجيل القادم الذي سنتحدث عنه وما هي تفاصيل حياتهم ؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com