سنوات التّيِهَ والضياع العربي/  د.جمال عبد الناصر محمد أبو نحل

في هذه الأيام العصيبة، والصعبة، ومع حرارة صيفٍ حارقٍ خارق، مارق، وفي شهري تموز،  وآب، تعيش الأمتين العربية، والإسلامية في أسوأ حالاتها، كّحالة التيه لبني إسرائيل في صحراء سيناء أربعين سنةً؛ حينما عصوا رسولهم سيدنا موسي عليه وعلي نبينا أفضل الصلاة والسلام،  ورفضوا دخول الأرض المقدسة أرض فلسطين وقالوا لنبيهم:” قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ”، لأن فيها الكنعانيون الفلسطينيون السكان الأصلين القوم الجبارين؛ حيثُ تشرذمت الأمة العربية، والإسلامية من بعد الحرب العالمية الثانية، وتم تقسيم الوطن العربي عبر اتفاقية سايكس بيكو وتمزيق أوصالهِ، وروابطهِ،  ومن بعد سقوط أخر حصون وقلاع الخلافة الإسلامية، و دبّ الضعف،  والوهن والتقهقُر حضاريًا وثقافيًا وسياسيًا ودينيًا في العالم العربي والاسلامي، وأصبحت عدة دول، وتشرذم الوطن الكبير وتمزق وتفرق أكثر وأكثر، ولم يكن الخلاف يقتصر علي وهن الحكام وضعفهم وتفككهم ولا علي الخلافات العربية،  العربية، بين الزعماء  والحكام العرب والمسلمين، ولكن وللأسف حتي من يدعون الإسلام أصبح الكثير منهم طوائف ومذاهب وجماعات وأسماء ومسميات، وكُل يقاتل تحت راية عصبيةٍ، وجاهلية، وكأنها إلهُ تعُبدُ من دون الله عز وجل؛ وكل حزب من تلك الأحزاب الإسلامية بما لديهم فرحون!؛  ولقد تفرق بعض علماؤها ومشايخها كلٌ منهم يتبع إلههُ هواه، إلا من رحم ربي، وأصبحت فرقة عظيمة، وبأس المسلمين والعرب بينهم شديد، يستبيحون دماء بعضهم البعض، ومنهم من حلل القتل واستحل الدماء، والأجندات جُلها تنادي للدين شكلاً، وفي الباطن كلها تخدم الغرب وأعداء الدين والعروبة والإسلام!؛  فأصبحنا نحن الضعفاء الُجْهَّل لا نعرف الحق من الباطل، أو نتعامى عن الحق!، اختلاط الحابل بالنابل، وعوض أن نقاتل أعداءنا أصبحنا نقاتل بعضنا، ونهدر دماء بعضنا، وبعض المشايخ والدعُاة الذين يدعون الدين من دعاة الفتن والقتل هؤلاء هم (دعاة علي أبواب جهنم)، كنا نرى فيهم ورثة للأنبياء أصبحوا منابر شيطانية تشتعل الفتن ما ظهر منها وما بطـــن، علي أيديهم وعلي المنابر يقولون ما لا يفعلون مشايخ بعضهم حولوا العلم والفتوي  حسب المزاج وأهواء التنظيم أو الحزب أو الحركة أو الحاكم، فأصبحوا يتجارون بالدين!، وقد باعوا الدين بالدنيا، فالويل ثم الويل لتجار الديــــــن، من مشهدِ يومٍ عظيم؛ مشايخ جعلت أراءها وأيديولوجيتها ووجهات نظرها وعاهاتها السياسية والنفسية والشخصية فتاوى تفرض على الفرد العربي المسلم، وكأنه المتحدث باسم الله تعالى؛ لدرجة أن بعضهم يكفرون الناس ويعطون صكوك غفران أو إدانة يقولون فلان كافر في النار وفلان في الجنة!؛ يأكلون وينامون ويشربون ويتمتعون وبالدنيا تائهون ، ويأكلون كما تأكل الأنعامُ همهم بطونهم، وقبلتهم نساؤهم؛ إننا يا سادة نعيش زمن الفتن وعهد الرويبضة الرجل التافه يحكم في أمر عامة الناس؛ وقد أُسّنِد الأمرُ ووسد إلي غير أهله فعلينا أن ننتظر قيام الساعة!؛ حيث أننا نشهد في هذا العصر أكبر عملية تطهير وغسيل للدماغ العربي، يغتصب قهراً صاحب الفكر الوطني الحر والشريف، ويسود صاحب الفكر المشوه الدخيل، ويعتلي زمام الأمور والمنابر والخطب ويقرأ بعضهم الأشعار، ويتغنى متلحفاً ثياب الوطنية والإسلام والعلم والتقوي، ولكنهُ شيطان رجيم بثوب عالمٍ جليل!؛ فاليوم يقتل الأبرياء، ويقهر الأذكياء، ويقتل الذين يعرفون كل شيء، ويغتال الشرفاء وأصحاب الفكر الحر النزيه، ويسود ويعلوُ الحسود، والحقود، والمتملّقُ، والمُتسلق، والنمام، والأفاكُ، والطعانُ، واللعانُ، والفاحشُ، والّبذيء، والتاجرُ والفاجرُ، والعاهرُ، والناقصُ!!؛ واليوم يعتلي منصة بعضٌ ممن يدعون أنهم كُّتاَبْ وأدباء وعلماء وبعض من يقولون أنهم مناضلين، ولكن منهُم المرجفين، والفاسدين، والمتسولين والفساقُ، ومن يلبسون عباءة الُنساك بهتاناً وزوراً، ولذلك نحن في عصر  طمس الحقيقة، ومحاربة أو تجاهل العالم الحقيقي، ووأد فكره حياً، ونشهد انتحار للعقل العربي المسلم؛ هذا كلّه والأمّة “إلا من رحم الله”؛ من أقصاها إلى أقصاها غارقة في غبائها وتخلّفها، وخلافاتها الداخلية، وتستمر حالة الغثيان والتيه العربي والإسلامي، وهم يبحثون لهم  في صحراء الغرب القاحلة الموحلة الجرداء، عن رغد العيش وعن الفيحاء، ولا أمن ولا أمان فالغريب أعمي وإن كان مبصراً، وقد تواكل العرب والمسلمين علي الغرب والشرق وأوروبا في كل شيء من طعامهم وملبسهم وشرابهم وقراراهم، وحتي في حل مشاكلهم/ مما زاد الطين بِّلةً، وركنا إلا الدنيا، واصبحت الشعوب مخدرة كأنها شربت الأفيون، وكمن راحت عنهم الفكرة وحلت بهم السّكرةَ، وتجد الكثير من العرب والمسلمين اليوم شوارعهم غير نظيفة، ومعاملاتهم غير سليمة، وبينهم شقاق وخلاف، وتجد الغِّش والرشوة متفشية بينهم، وبالأغلب لا تجد اتقان الصناعة،  وتجد الكلام ديدنهُم،  والفعل والتطبيق آخر اهتماماتهم، وأصبحوا كالهائم علي وجهه، وكمن ظل الطريق لا يعرف أين، ولمن، وبأي اتجاه يتّجه، وضاعت الشعوب في غياهب الدنيا ومشاغلها، واكلتُ يوم أكل الثور الأبيض، فكل دولة وكل شعب يغني علي ليلاه، ويقول نّفسي،  نّفسي،، واستفرد بنا الأعداء وتكالبت علينا الأُمم كما تتكالب الأكلُةُ إلي قصعتها، وصرنا غثاء كغثاء السيل، وأصبحنا في قافلة وذيل الأمم، كالغريق يتعلق بالقشة، وكالحالم بالحرية ولا يجدها، والسعادة ولا يلقاها، ووضعنا بيضنا في سلة واحدة وأوكلنا أمرنا إلي أمريكا تارةً وإلي روسيا تارةً  أخري، أو  توجهنا لنبكي همومنا إلي مجلس الأمن، أو  الامم المتحدة، و هي ما وُجدت إلا لتعقيد المشكلة لا حلها، ولخدمة الاحتلال، ولتكريس وخدمة مصالح الدول الكبرى، وظلم وقهر  الدول الضعيفة، ولسرقة  أموال العرب والمسلمين من  المتخاصمين لصالح الدول الكبرى، ولازلنا حتي اليوم نوكل أمورنا لهم ونتقاتل ونتصارع فوق الأرض العربية والقتلى من العرب والمسلمين وتدمير البلاد العربية وتدمير  خيرات بلدانهم والغرب والشرق يتقاسمون الخيرات والكعكة ويبيعون السلاح لأخوة الدم والدين لكي يقتتلوا ويقتلوا بعضهم بعضاً ، ولا يختلف أي عاقلٍ وذي لبٌ سليم  علي أن المستفيد الوحيد  من الوضع العربي المأساوي الحالي هو دولة الاحتلال العنصري الإسرائيلي والإدارة الأمريكية الحالية المتصهينة، والعرب في خسرانٍ مبين وانحدار، يتُبعه  مزيد من التيهِ والضياع، فيا أمةً ضحكت من جهلها الأمُُمُ!؛ فمتي تفيقون من سباتكم العميق؟ أم علي قلوُبٍ أقفاُلها؛ وبرغم كل ما سبق من سوداوية المشهد العربي والإسلامي العام إلا إنني لا أشك قيد أُنملة في أن الصحوة العربية والإسلامية لابد يوماً ما أن تعود، لترجع  أمجاد الأمة وسؤددها، لتسود وتكون في مقدمة الأمم وخير الأُمم، وأن تنتفض، وتنفض غبار الذل والهوان والخنوع عن كاهلها، ولكن إن الله لا يُغيرُ ما بقومٍ حتي يُغيروا ما بأنفسهم، ويسألونك متي هو؟ ومتي ذلك؟ قل عسي أن يكون قريباً.

  الكاتب الصحفي الباحث المفكر العربي والمحلل السياسي
عضو الاتحاد الدولي لنقابة الصحفيين وعضو مؤسس باتحاد المدربين العرب
الأستاذ والمحاضر الجامعي غير المتفرغ ورئيس المركز القومي لعلماء فلسطين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com