ما هي خيارات غزة..؟ بقلم/ د. حسام الدجني

نجح الرئيس محمود عباس في إفشال جهود القاهرة والأمم المتحدة للتهدئة، بعد تعثر مسار المصالحة، وهو ما يطرح تساؤل ما هي خيارات غزة في ظل تعثر المصالحة والتهدئة…؟

  1. خيار التصعيد عبر مسيرات العودة وكسر الحصار.
  2. خيار التصعيد العسكري (المحدود أو الشامل).
  3. خيار بقاء الوضع الراهن.
  4. خيار تسليم السلطة للرئيس عباس من الباب للمحراب.
  5. خيار إعلان غزة إقليم محرر أو دولة غزة.
  6. خيار الفراغ الأمني والسياسي.
  7. خيار الفيدرالية أو الكونفدرالية مع تركيا أو مصر.
  8. خيار توقيع وثيقة الاستسلام.

أولاً: خيار التصعيد عبر مسيرات العودة وكسر الحصار.

في الوقت الراهن قد تعمل غزة على التصعيد عبر المقاومة الشعبية والسلمية من خلال مسيرات العودة مع تغيير طفيف في أدواتها بما يشكل حالة ضغط مستمرة على الاحتلال والمجتمع الدولي لدفعهم للقبول بإبرام تهدئة بمشاركة الرئيس عباس أو دونه.

ثانياً: خيار التصعيد العسكري (المحدود أو الشامل).

تزداد فرص هذا الخيار مع الوقت وزيادة وتيرة الحصار، ورغم أن المقاومة والاحتلال يرفضان الذهاب لهذا الخيار إلا أن لكل منهما أسبابه.

أ‌. المقاومة الفلسطينية: تريد أن تحافظ على قوتها العسكرية وتوظيفها سياسياً كقوة ردع في ظل غياب الظهير العربي الذي قد يوفر خطوط إمداد لها، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وأمنياً وإعلامياً. وأيضاً تدرك المقاومة واقع الحاضنة الشعبية التي أنهكها الحصار والعدوان وبذلك تعمل بكل قوة من أجل إبعاد شبح الحرب، إلا أن تلك الاسباب قد تذهب بعيداً في حال تدهورت الأمور أكثر في قطاع غزة، وتكون غزة على موعد مع سيناريو الحرب.

ب‌. إسرائيل: لا تريد إسرائيل الحرب في هذا التوقيت للأسباب التالية: ضمان نجاح مشروع التطبيع وتشكيل حلف عربي ضد إيران، بالإضافة لرغبة الاحتلال في التفرغ للجبهة الشمالية وطرد حزب الله والحرس الثوري الإيراني من الجنوب السوري، وكذلك استكمال بناء الجدار البري والبحري مع غزة.

ورغم قوة الأسباب لكلا الطرفين بأن شبح الحرب ما زال بعيداً، إلا أن ما سبق قد يقرب من شبح الحرب انطلاقاً من رؤية كل طرف لعوامل ضعف الخصم وعدم رغبته بالحرب.

ثالثاً: خيار بقاء الوضع الراهن.

هذا الخيار رغم أهميته، إلا أنه لم يعد مقبولاً فصائلياً ولا شعبياً، فخيار الموت البطيء وفقدان الأمل أخطر من خيار الحرب، وهو يضرب عصب الحياة في قطاع غزة ويترتب عليه تداعيات خطيرة على مستوى المجتمع الفلسطيني، حيث بدأت تظهر أعراض أمراض اجتماعية لم تكن موجودة في أي حقبة زمنية سابقة.

رابعاً: خيار تسليم السلطة للرئيس عباس من الباب للمحراب.

جوهر هذا الخيار أن تعود حماس لما قبل عام 2006م من جهة وجودها بالحكم، وتسلم السلطة كاملة فوق الأرض وتحت الأرض، كما هو الحال في الضفة الغربية الآن، أو في قطاع غزة خلال الفترة الزمنية 1996-2000م، وبتوضيح أكثر دون سلاح، لأن الرئيس عباس أعلنها بوضوح ودوّنها في الورقة الفتحاوية الأخيرة للمصالحة في قوله: سلطة واحدة، قانون واحد، سلاح واحد.

وهذا الخيار يطرح ثلاثة تساؤلات:

  1. على افتراض أن حماس ستوافق على هذا الخيار، قد يسأل البعض: لماذا لا تناور حماس وتسلم سلاحها للمجتمع الدولي وللاحتلال وحينها ستمنح شرعية سياسية وترفع من قوائم الإرهاب وسيغدق العالم عليها المال، وسيفرش السجاد الأحمر لها…؟
  2. هل حققت السلطة انجازات عظيمة في الضفة الغربية الخالية من السلاح على صعيد وقف الاستيطان وتهويد القدس، ورفع الحواجز بين المدن، ووقف توغلات الجيش وما يقوم به بشكل مستمر من اغتيالات أو اعتقالات..؟
  3. هل التجربة في الضفة الغربية ناجحة بالمقارنة مع الأثمان السياسية والأمنية والاقتصادية، لدرجة تمني تطبيقها في قطاع غزة، هل تحررت الضفة اقتصادياً وسياسياً وأصبح لدينا عملة وطنية ومطار ومعابر فلسطينية تربطنا بالعالم الخارجي، أم اننا أمام حكومة تجاوزت مديونتها 2 مليار دولار، ورئيسها يعبر عبر الحلابة الإسرائيلية عبر حواجز الاحتلال..؟

قد يذهب البعض ليقول: لتسلم حماس الحكم وتبقي على سلاحها، ولمن يتبنى هذه الرؤية أقول له: ما مستقبل العلاقة بين سلاح السلطة وسلاح المقاومة لو حدث أي حدث أمني في قطاع غزة…؟

خامساً: خيار إعلان غزة إقليماً محرراً أو دولة غزة.

دعا الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان شلح لتبني هذا الخيار أثناء عدوان العصف المأكول 2014م لتجاوز اتفاق أوسلو ومتطلباته وإعلان غزة إقليماً محرراً، وتشكيل حكومة لإدارة القطاع، ورغم أهمية هذا المقترح إلا أنه لا يمكن تطبيقه دون مصالحة وطنية فلسطينية، وموافقة إقليمية لا سيما من مصر، وحتى لو أنجزت المصالحة وعلى فرضية موافقة الرئيس عباس وفتح لهذا الخيار فلا أعتقد أن المجتمع الدولي سيدعمه، وبذلك قد يستهدف بالحصار كما استهدفت حكومة حماس بعد انتخابات يناير 2006م. ولكن هذا الخيار له وعليه.

فهو يشكل نقطة انطلاق في بناء مؤسسات الدولة والتحرر من القيود والابتزاز الاسرائيلي للسلطة في الضفة الغربية، وفي المقابل قد تستغل إسرائيل انتقال الثقل السياسي من الضفة لغزة وتقوم بضم الضفة الغربية لها، ومع مرور الزمن تصبح غزة هي الدولة الفلسطينية.

سادساً: خيار الفراغ الأمني والسياسي.

قبل عام ونيف صدرت بعض التسريبات التي تفيد بأن كتائب القسام تقدّمت بمبادرة من أربعة بنود لقيادتهم السياسية في حركة حماس، يتمثّل أبرزها بإحداث حالة من الفراغ السياسي والأمني في غزة، إذ تتخلى حركة “حماس” عن أي دور في إدارة القطاع. وتابع المصدر: “تكلّف الشرطة المدنية بدورها في تقديم الخدمات المنوطة بها، وتقوم بعض المؤسسات المحلية بتسيير الشؤون الخدماتية للمواطنين”. وشدّد على أن “كتائب القسّام” والأجنحة العسكرية التابعة للفصائل الفلسطينية، ستكلّف بملف السيطرة الميدانية الأمنية.

وأكّد المصدر على أن الأجهزة الأمنية في وزارة الداخلية التي تديرها حركة “حماس”، ستكلّف بمتابعة الأمور الميدانية المدنية فقط.

من الممكن أن تذهب غزة نحو هذا الخيار، وبذلك تدير أزمة من خلال صناعة أزمة، ولكن لهذا الخيار محاذير كبرى، متعلقة بتدحرج الأمور في غزة نحو انهيارات أمنية أو أن تدفع تلك الخطوة بعض الفصائل الصغيرة التي لا تتفق مع حماس لجرها للمواجهة العسكرية مع الاحتلال، عبر اطلاق قذائف باتجاه منطقة غلاف غزة.

سابعاً: خيار الفيدرالية أو الكونفدرالية مع تركيا أو مصر.

يطرح البعض خيار الكونفدرالية، وهو شكل يتطلب تنسيق عالي بين دولتين أو أكثر يتمتعان بالسيادة الكاملة، وحتى يكون ذلك ممكناً بحاجة إلى إعلان غزة دولة مستقلة وهو ما يرفضه شعبنا الفلسطيني، عوضاً عن احتمالية رفض مصر وتركيا له، أما خيار الفيدرالية بأن تتحد غزة مع تركيا أو مصر، فهذا يعني تصفية المشروع الوطني الفلسطيني ولا يمكن بأي حال من الأحوال قبوله من أي طرف من الأطراف.

ثامناً: خيار توقيع وثيقة الاستسلام.

شهد التاريخ نماذج عديدة لتوقيع وثائق الاستسلام، وقد حصل ذلك في ألمانيا واليابان عام 1945م بعد هزيمتهما بالحرب العالمية الثانية، ومن ثم نهضتا وأصبحتا قوةً اقتصادية وعسكرية لها وزنها بالنظام الدولي، وجوهر وثيقة الاستسلام التي تعلنها غزة هي:

نعترف بدولة إسرائيل، وجاهزون لتسليم سلاحنا ومقدراتنا العسكرية لها، ونتنازل طوعياً عن كل حقوقنا المشروعة بالقانون الدولي، ونقبل للعيش سوياً بأمن وسلام ضمن حدودها.

وعلى المجتمع الدولي أن ينفذ ما جاء في هذه الوثيقة تنفيذاً أميناً، فالدولة الديمقراطية الواحدة هي الخيار الأمثل للسلام والاستقرار الإقليمي والدولي.

هذا الخيار مؤلماً، وبحاجة أيضاً إلى اجماع وطني فلسطيني وهو صعب التحقق، فليس من عادة الفلسطيني الاستسلام، ولكني أطرح هذا الخيار من باب التفكير خارج الصندوق رغم عدم إيماني به.

قد يكون هذا الخيار لو أحسنا إدارته الأكثر كلفة للاحتلال، فالمعركة الديموغرافية ستكون بديلاً عن المعركة المسلحة، والدولة الواحدة الديمقراطية أفضل بكثير من حل الدولتين في ظل تعثرنا كفلسطينيين في إدارة سلطة، وفي ظل انقلاب الاحتلال والإدارة الأمريكية على حل الدولتين، وسيكون هذا النموذج هو المحرك للعالم لإنقاذ غزة والقضية الفلسطينية لإدراك العالم مخاطر المعركة الديموغرافية في ظل السيكولوجية اليهودية المعروفة التي لا تقبل التعايش، وبذلك سنرى زيادة في معدلات الهجرة العكسية من إسرائيل للعالم الخارجي، مقابل زيادة في معدلات عودة فلسطينيو الشتات إلى وطنهم.

الخلاصة: نعيش اليوم ذكرى اتفاق أوسلو، وبعد مرور 25 عاماً عليه بات من الواضح أن هذا الاتفاق الذي أقام سلطة تحت الاحتلال وجعل من احتلال إسرائيل الأقل كلفة في التاريخ، هو سر نكبتنا، ويجب أن ينصب تفكيرنا الاستراتيجي بالتخلص من تداعيات هذا الاتفاق بما يخدم مصالحنا الوطنية.

إن خيارات غزة تعكس تعقيدات المشهد وصعوبته، وأن تعثر المصالحة سيأتي بمزيد من النكبات على شعبنا الفلسطيني وعليه ينبغي العمل على إنجاز المصالحة ووحدة الصف الوطني الفلسطيني ومراجعة أدواتنا في إنجاز مشروعنا الوطني التحرري بما يضمن الوصول بالقضية الفلسطينية إلى بر الامان، وهذا يتطلب تعزيز لغة الشراكة وإشراك مكونات شعبنا الفلسطيني في تذليل العقبات بين الأشقاء فتح وحماس.

HOSSAM555@HOTMAIL.COM

د. حسام الدجني

كاتب ومحلل سياسي فلسطيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com