وجود إسلامي في غرب ديموغرافيا مسيحي/بقلم الأب د. بيتر مدروس

 لا يشير هذا المقال الى الدين لا من قريب او بعيد، بل الى  المسلمين من ناحية اجتماعية.

تطرح مذبحة نيوزيلاندا موضوع الوجود الاسلامي في الغرب، اولاً كحضور اجنبي بطريقة حياة ولغات اجنبية، وثانيًا كمسلمين بميزاتهم التي يقبلها مواطنون وبصراحة يرفضها اخرون ويجدون فيها خطرا على هويتهم وحريتهم ( كما رأوْا في الكنيسة) ودستورهم، بحيث ينقم المواطنون ليس فقط على المسلمين بل على كلّ الأجانب، وهذا يدعى باليونانية ” كيسينوفوبيا”، والأقرب الى الصواب انهم ينقمون على حكومتهم وسياسييهم الذين خدعوهم بتعدّديّة الحضارات، بل ينقمون على أنفسهم لأنهم انتخبوا أحزابًا فتحت بلادهم للغرباء بلا تمييز ولا عمل حساب للمستقبل،  والمجزرة مجزرة عند القاتل والضحايا في نيوزيلاندا،مهما كانت الدوافع، ولعلّ الحكومة ايضًا مسؤولة عنها كما أوضحنا. وبصفة المجرم الأسترالي من المتزمتين عرقًا ووطنًا،  فيبدو انه عدّ الضحايا اجانب و” غزاة” اكثر منهم مسلمين، بمعنى انه لو وجد صينيين بتلك الكثافة والنفوذ والوحدة لفتك بهم كذلك. وهنالك حالات مذابح تستهدف المسلمين كمسلمين كما في حالة غولدبرج، او مع الأسف ايضا بين مسلمين ومسلمين بمعارك ضارية تمزق بصواب قلوب المسلمين ومحبّيهم مثلنا نحن مواطنيهم العرب. وهناك مجازر تستهدف المسيحيين كمسيحيين، مثلاً في نيجيرية، يغفلها الإعلام الغربي والشرقي .

لا يجوز المرور على أية مجزرة مرور الكرام. مسلمون في نيوزيلاندا، من عرب وآخرين. اوّل سؤال : لماذا لم يقصدوا بلادًا عربية واسلامية اخرى، ( وعددها ٥٧) غير التي تحترق بالحروب الدولية والأهلية؟ من المهاجرين اللاجىء لأسباب اقتصادية، ويبدو ان هنالك مَن هاجر لنشر الدعوة الاسلامية. وقد تشدّقت ميركل باستقبالها لأكثر من مليون لاجىء لم ترغب فيهم دول عربية او إسلامية  ، بل أتى تهجيرهم بسبب بعض الدول الدخيلة، ونسبت ميركل الظاهرة إلى وجود الحرية والرفاهية وكرامة الانسان عندها. وقد نسيت أنّ الأردن ولبنان ( وليسا من أيسر الدول حالاً) وتركيا لم تقصر في الاستقبال.

لا تقدر أن تدخل بلدًا إنْ لم يدعك او يوافق على دخولك

استقدمت دول أوروبية عددًا من الأجانب للعمالة خصوصًا من بلاد كانت مستعمرة لها، مثلاً  فرنسا استقبلت، خصوصا مع الأحزاب الاشتراكية،

الآلاف من المغرب العربي الذين كان نَفَر منهم يتكلم الفرنسية بطلاقة دون العربية او أفضل منها. وفي الخمسينات من القرن الماضي طلبت ألمانيا من جارتها تركيا يدًا عاملة وصل تعدادها ونسلها اليوم الى ما لا يقلّ عن سبعة ملايين يمكن ان يقال فيهم بشيء من الدعابة ان نصفهم يحمل الجنسية الألمانية ونصف هؤلاء لا يعرف من الألمانية كلمتين ونصف. ويمكن ان يقال انهم يحملون الجنسيتين، مع أنّ ذلك ممنوع.

بمناسبة الحرب السورية والعراقية، فتحت المستشارة ميركل أبواب بلادها بلا أية رقابة ولا تفتيش، وليس اللاجئون من سورية والعراق أكثر من عشر المتدفقين بلا حساب، وفعلت ميركل ذلك من غير أن تستشير احدًا ولا أن تعمل للمستقبل حسابًا وبلادها تشكو من قلّة المواليد. والعذر أنّها كانت بحاجة الى يد عاملة غير صحيح  لأنّ اللاجئين حتى ” السياسيين” او “الدينيين” والقادمين ممنوعون عن العمل. ومن المهاجرين الآخرين مَن لا يعمل أصلاً لأنّ الحكومة تعطيه نقودًا مع حاجاته الاساسية. ويقول محلّل سويدي من أصل جزائري زكريا بن يحيى أنّ ثمانين بالمئة من المسلمين في أوروبا يعتاشون على الاغاثة الاجتماعية. هل سيصبر المواطنون طويلاً – مع انهم فعلوا لعقود- وحكوماتهم تشدّد عليهم الخناق وترفع الضرائب في حين  أنّ المهاجرين واللاجئين يتمتّعون بكلّ امتياز بلا عمل، ويعامَلون بلين لا يشمل المواطنين وتتمّ التغطية الحكومية والإعلامية والشرطية على تجاوزاتهم ؟

استغراب صحفي تركي

بواقعيّة ( لا تمس الدين الاسلامي) استغرب هذا المحلّل التركي من ” شغف حكومات الغرب بالمسلمين وإسراعهم في استقبالهم وتجنيسهم”. وأضاف:” في حين أنّ بيننا كمسلمين عداوات وحساسيات”!  الجواب هو أنّ الكنيسة الكاثوليكية،  خصوصًا مع البابا فرنسيس ، وقداسته ابن مهاجرين، تدعو الى استقبال الغرباء. وهنالك ملحدون لا يؤمنون باي دين ولا يَرَوْن أي فرق بحيث أنّهم يقبلون المسلم كإنسان ويستغربون من تمسّكه ببعض العادات.

ويُعلن فيليب دفلييه السياسي الفرنسي المخضرم أنّ هذه الحماسة في استقبال المسلمين وسواهم لا تأتي من باب المودّة بل بسبب الكراهية للكنيسة كي يفقد الغرب طابعه المسيحي. ولعل مثيري فضايح فقط عن الإكليروس الكاثوليكي الغربي إثبات لتلك الكراهية. وبالفعل رفضت فرنسا وبريطانيا منهجيًا لاجئين مسيحيين.

خاتمة

أكيد أنّ ما سبق لا يفي الموضوع حقّه ويشكر المرء لهذا المنبر الأغرّ اتاحة الفرصة لنشر هذه المعطيات الواقعية التي يجهلها كثيرون. والأمل ان تساعد في التقليل من الاندفاعات العاطفية والنقمة التي لا أساس لها، وفتح العيون على زوايا أخرى بقيت في الظلمة. وكان ديغول يقول وهو يرى ما يعانيه العرب من طغيان فرنسا بلاده واستعمارها: ” الويل لنا عندما يستيقظ العرب”. وهل ستتمّ في هذا السياق كلمة  ماري روبين: ” يوما ما سيستعمر فرنسا الذين استعمرتهم؟”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com