نبض_الحياة.. نشر القائمة انتصار للعدالة.. عمر حلمي الغول

هناك حقيقة أكدتها التجارب الإنسانية، أن الإنسان الفرد له دور مميز في التاريخ، دون أن يلغي ذلك الدور الأساس المقرر للشعوب في صناعة التاريخ. وتأكيدا للاستنتاج المذكور، نقف هذه الأيام أمام الدور الهام والشجاع، الذي تمثلته ميشيل باشلية، رئيسة المفوضية السامية لحقوق الإنسان، التي نقلت القرار الأممي حول الشركات العاملة في المستعمرات الإسرائيلية من حالة المراوحة والتردد والخشية من ردود الأفعال الإسرائيلية والأميركية، إلى حيز النور، حيث  بادر مكتبها الأممي يوم الأربعاء الماضي الموافق 12/2/2020 في نشر قائمة بأسماء الشركات ال112، ومنها 94 شركة إسرائيلية و18 تابعة ل6 دول من بينها الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، هولندا، تايلاند ولوكسمبورغ. وذلك تنفذا لمسؤولياتها الأممية، وللقرارات ذات الصلة، التي انتظرت طويلا في أدراج المفوضية.

ونشر أسماء الشركات يعتبر انتصارا للعدالة الإنسانية، وللإرادة الدولية، وللقضية والدبلوماسية الفلسطينية، ورفضا لسياسة البلطجة والتشبيح، التي قادتها الولايات المتحدة، وحالت أكثر من مرة دون الكشف عن أسماء وتابعية الشركات العاملة في أراضي دولة فلسطين المحتلة عام 1967، لحمايتها، والتغطية على جريمتها. لا سيما وان عملها يغذي ويشجع العملية الاستعمارية المتناقضة مع قرارات الشرعية الدولية، ومرجعيات عملية السلام، ويحول دون تقويضها، وحصارها.

كما أن نشر القائمة يساهم في ملاحقة ومحاسبة الشركات العاملة في المستعمرات غير الشرعية، والمتناقض وجودها مع القانون الدولي، واتفاقيات جنيف الأربعة. ويشكل ورقة رادعة أمام أية شركات تفكر حاضرا أو لاحقا بالعمل والتعاون مع المستعمرات الإسرائيلية. أضف إلى أن تجفيف منابع الدعم لها، يمنح الفرصة للسكان الفلسطينيين من صب جهودهم في أراضيهم، ومشاريعهم الوطنية، ويعزز من مكانة السوق الوطني، ويشكل خطوة إيجابية على طريق الانفكاك من التبعية للسوق الإسرائيلية. لإن المناطق الصناعية، التي أقامتها دولة الاستعمار في المستعمرات، كان الهدف منها، استقطاب يد العمل الفلسطينية، ولتعميق عملية التبعية للاقتصاد الوطني مع السوق الإسرائيلي عبر تلك المناطق الصناعية من خلال التشبيك مع رأس المال الفلسطيني، وتوريطه بالشراكة لاعتبارات ذاتية وموضوعية.

جن جنون إسرائيل من الخطوة الشجاعة، التي اتخذها مكتب باشلية، وأعلنت حكومة تسيير الأعمال عن قطع العلاقة مع المفوضية، فضلا عن التحريض والتهديد لرئيسة المفوضية، وتوجيه الاتهام للمفوضية كمؤسسة، بأنها تعمل ضد “إسرائيل”، بل ادعى الإسرائيليون من مختلف الألوان والأطياف السياسية من الموالاة والمعارضة، أن المفوضية تأسست لمعاداة إسرائيل. وتناسى أولئك القادة، ان دولتهم المارقة والخارجة على القانون، هي، وليس أحدا غيرها من ناصب القانون والمواثيق والأعراف الدولية العداء.

ولم تكن ردة فعل الإدارة الأميركية أقل انفعالا وغضبا من ردة فعل قادة “إسرائيل”، حيث لجأت لذات القرار العدمي، وأعلنت عن قطع علاقاتها مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان. وهو ما يشير إلى إفلاس سياسة البلدين، وعدم رغبة قياداتها في احترام القانون الدولي، ليس هذا فحسب، بل في الهجوم عليه، وتهميشه، والتسلط على المؤسسات الدولية بهدف الانتقاص منها، والسعي لأخذ القانون باليد وبالبلطجة والغطرسة.

لكن كلا الموقفين لم يفت في عضد المفوضة الشجاعة، التي تولت رئاسة تشيلي لدورتين رئاسيتين 2006/2010 و2014/ 2018 وخرجت من الرئاسة بقوة أعظم، وأكثر حبا من قبل شعبها، حيث ودعوها بالدموع. ويكفيها فخرا، أنها وقفت كمسؤولة أممية بجدارة أمام مسؤولياتها، ولم تتردد كثيرا في اتخاذ القرار. الذي تكمن أهميته، انه جاء في أعقاب خطاب الرئيس عباس في مجلس الأمن بيوم ومباشرة، وهو ما يعطي مصداقية لكفاحه السياسي والدبلوماسي، ويعطي دفعة قوية لنضال الشعب الفلسطيني، ويفتح قوس الأمل أمامه، ويرد على أنصار العدمية، الذين يبخسون من أهمية الكفاح السياسي والدبلوماسي.

oalghoul@gmail.com

a.a.alrhman@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com