التصعيد على جبهة غزة.. هل يعني سياسة إسرائيلية جديدة؟.. بقلم/ منصور أبو كريم

عادت مشاهد التصعيد على جبهة غزة من جديدة بعد فترة شهدت دخول جبهة غزة مرحلة البرودة الشديدة، بعد التوصل لتفاهمات بين حركة حماس وإسرائيل برعاية دولية وإقليمية تمخض عنها دخول أموال المنحة القطرية كل شهر تقريبًا، واستمرار تدفع السولار لمحطة الطاقة وزيادة مساحة الصيد ووعود أخرى بتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي والصحي من خلال مشاريع دولية وإقليمية قد تصل لغزة في حالة استمرار حالة الهدوء التام على جبهة بغزة لعدم تأثير هذه الجبهة في نتائج الانتخابات الإسرائيلية التي جرت ثلاث مرات متتالية خلال أقل من عام.
عودة التصعيد على جبهة غزة بشكل يومي – قصف إسرائيلي مقابل حرائق في غلاف غزة- جاء نتيجة لتراجع إسرائيل عن التفاهمات السابقة ومنع تمرير الأموال القطرية بشكل اعتيادي مما أدى لعودة استخدام أدوات الضغط على حدود غزة بصورة مستمرة مثل إطلاق البالونات الحارقة والإرباك الليلي، ووسائل إزعاج الجنود الإسرائيليين، وهي الوسائل التي تم التخلي عنها منذ عام تقريبًا في محاولة للانتقال من التهدئة للهدنة التي تسمح بتغير الوضع المتردي في غزة بصورة كلية.
لكن الهدوء النسبي على الجبهة الداخلية في إسرائيل بعد تشكيل الحكومة وتراجع مشروع الضم بطلب أمريكي ساهم في حدوث تحوّل نوعي في السياسات الإسرائيلية المتعبة تجاه قطاع غزة وحركة حماس تحديدًا، بعد ما استطاعت إسرائيل تبريد هذه الجبهة لأكثر من عام تقريبًا عبر سياسة (العصا والجزرة).
التحوّل النوعي في السياسة الإسرائيلية تجاه غزة من الهدوء مقابل التسهيلات في إطار التفاهمات التي عقدت خلال العامين الماضيين عبر واسطة دولية وإقليمية بين حركة حماس وإسرائيل إلى الهدوء مقابل الهدوء؛ يعود لعدة أسباب: أهمها رؤية وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي الجنرال بني غانيس وحزبه الذي يحاول طرح سياسات جديدة ومختلفة للتعاطي مع حماس وفصائل غزة بعيدًا عن سياسات نتنياهو التي انتقدها بشدة خلال جولات الانتخابات السابقة، بما يعزز مكانة الحزب والرجل في الساحة السياسية الإسرائيلية في ظل استمرار أزمة الائتلاف الحكومي وإمكانية الذهاب لجولة رابعة من الانتخابات.
كما أن نتنياهو لا يريد أن تكون أزمة التعاطي مع غزة هي سبب تفكك الائتلاف الحكومي الذي يعاني من أزمة خانقة بسبب الخلاف حول قانون الموازنة الجديد، كما حدث مع وزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان، عندما استقال من وزارة الدفاع على خلفية تمرير الأموال لحركة حماس وعدم استخدام القوة.
إضافة أن تأجيل مشروع الضم إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية وفّر فرصة سانحة لإسرائيل للعودة لفتح ملف غزة من جديد وتصفية الحسابات السابقة، فتأجيل مشروع الضم في الضفة الغربية سمح لإسرائيل تصعيد الموقف على جبهة غزة من جديد عبر وقف العمل بالتسهيلات ومنع دخول الأموال القطرية، ضمن معادلة جديدة ترتكز على الهدوء مقابل الهدوء بدون شروط مسبقة على إسرائيل، ناهيك عن فشل مشروع تجريد قطاع غزة من السلاح مقابل التسهيلات والمشاريع الدولية التي تحدث عنها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس قبل فترة وأكد خلالها ان الحركة رفضت عرض مالي كبير مقابل تخلى الحركة عن سلاحها.
التحوّل النوعي في السياسة الإسرائيلية في التعامل مع غزة ترافق مع بروز عدة تطورات ميدانية وصحية باتت تشكل تحديات إضافية للوضع المأساوي في قطاع غزة، من أهم هذه التطورات انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19) بين السكان بصورة كبيرة، رغم محاولات “حكومة غزة” اتخاذ إجراءات وقائية لمنع دخول الفيروس للقطاع، فخطورة تغلغل فيروس كورونا لغزة المنهكة ترافق أيضًا مع ثلاث مظاهر رئيسية، الأولى إنها جاءت مع الموجة الثانية للفيروس التي تتسم بالقوة وسرعة الانتشار، والثاني تصاعد التوتر على جبهة ونقص حاد في الكهرباء وإغلاق المعابر والبحر التي جاءت كرد على اطلاق البالونات الحارقة لغلاف غزة مرة أخرى، والثالث اختلاف توجهات إسرائيل في التعاطي مع غزة بالعودة لسياسة الهدوء مقابل الهدوء وليس الهدوء مقابل التسهيلات في إطار الخروج من التفاهات مع حماس بعد ما حققت السياسة السابقة أهدافها.
التحوّل النوعي في السياسات الإسرائيلية تجاه غزة وحركة حماس التي تحكم القطاع منذ 13 عام بما قد يؤدي لعودة سياسة الخنقّ من جديد يمثل تطور مهم في سياق العلاقة الملتبسة بين الطرفين كون أن هذا التحول ترافق مع انتشار فيروس كورونا في غزة، بما يشكله من خطورة كبيرة على الأمن الصحي في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في غزة ما قد يضع الأمر في غزة أمام كارثة حقيقية في ظل النقص الحاد للمواد الغذائية والخدمات الصحية بعد أن ضرب الفيروس القطاع الصحي في أول أيامه.
من الواضح أننا نشهد استدارة إسرائيلية جديدة تجاه حكم حركة حماس في غزة، هذه الاستدارة باتت تمثل سمة من سمات السياسة الإسرائيلية تجاه العديد من الملفات، كون أن إسرائيل منذ نشأتها لم تلتزم يومًا ما بسياسة واحدة تجاه أي ملف، بل إن السمة الرئيسية للسياسات الإسرائيلية هو التغير الدائم والبحث عن الفرص ومعالجة التحديات، لذا فإن تخلي إسرائيل عن سياسة الهدوء مقابل التسهيلات والتطورات الميدانية التي تشهدها جبهة غزة بعودة التصعيد والقصف واطلاق البالونات الحارقة يمثل بداية لمرحلة جديدة على جبهة غزة، مرحلة قد تعود فيها إسرائيل لسياسة الخنقّ مرة أخرى، بعد ما حققت سياسات الاحتواء والترويض أهدافها على المستوى الإسرائيلي والفلسطيني.

كاتب وباحث سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com