نبض الحياة.. أعيدوا للخليل مكانتها.. عمر حلمي الغول

لا يمكن قراءة الظواهر الاجتماعية خارج سياق التطور الاقتصادي الاجتماعي، وانعكاس ذلك على الثقافة المجتمعية، وتأثيره في مستوى ومنسوب الوعي العام. والمجتمع الفلسطيني عموما مجتمع مازال يعاني من الموروث العشائري القبلي العائلي المرتبط بقوى وعلاقات انتاج عالم ثالثية عموما، رغم انه شهد قفزات اجتماعية اقتصادية وثقافية في العديد من المدن والارياف والمخيمات بفعل عوامل مختلفة، لعل أهمها اتساع وتطور العلم في اوساط الأجيال الجديدة، مما ساهم في احداث نقلة إيجابية، اضف إلى ان الاستقرار النسبي بعد النكبة في كل من الضفة بما فيها القدس العاصمة وقطاع غزة، رغم ان التجمعين خضعا لسيطرة نظامين سياسيين مختلفين، الا ان ذلك لم يعق عملية التطور الاقتصادي بالمعايير النسبية، والمراكمة على ما كان عليه الوضع قبل نكبة العام، 1948 رغم التأثيرات السلبية العميقة على الاقتصاد نتاج تداعياتها.
باختصار شديد هذا التطور الاقتصادي النسبي، تعرض لهجمات متعددة، كان اخطرها الاستعمار الإسرائيلي بعد هزيمة حزيران / يونيو 1967، حيث تم طحن الاقتصاد الفلسطيني، ودمجه كليا في بوتقة الاقتصاد الاستعماري الإسرائيلي، وصهره في الغلاف الجمركي الاستعماري، وسلبه ابسط معايير الاستقلالية. ومع ذلك شهدت محافظة الخليل تطورا ملموسا بعد نشوء السلطة الوطنية، وباتت تشكل رافعة مهمة للاقتصاد الوطني، دون التقليل من مكانة محافظة نابلس او محافظات قطاع غزة. بيد ان التطور الاقتصادي النسبي في خليل الرحمن لم ينعكس إيجابا على المستوى الثقافي، والوعي المجتمعي، وبقيت العشائرية والقبلية تنهش معالم التطور، وتشكل عائقا حقيقيا امام صعود الخليل إلى المكانة التي تستحق.
وللأسف رغم التأثير الإيجابي لدور الثورة الفلسطينية المعاصرة في تعميق اللحمة الوطنية والمجتمعية بين المكونات الاجتماعية المتفاوتة في المحافظة الجنوبية، وتمكنها من الحد الكبير من مظاهر العشائرية. كما ساهمت وحافظت السلطة الوطنية بعد قيامها في العام 1994 على التأصيل للايجابيات السابقة. بيد انها بسبب ضعف الحضور الأمني، وتراجع هيبة ومكانتها (السلطة) بسبب الاستعمار الإسرائيلي، وزيادة التوسع الاستيطاني في مركز المحافظة واطرافها، والانتعاش مجددا لمظاهر العشائرية، واستعادة حضورها الطاغي، ولانتشار الزعران وقطاع الطرق، واتساع نفوذ الجماعات الاسلاموية المعادية لتطور المجتمع، حدث تناقض فاضح بين التطور الاقتصادي الإيجابي في المحافظة، وبين تطور الوعي المجتمعي، مما اوجد شرخا كبيرا في داخل مركبات المجتمع في المحافظة الأولى اقتصاديا في فلسطين المحتلة، وسمح للعشائرية والقبلية بالتسيد على الواقع.
لهذا نلحظ ان محافظة الخليل عموما ومركزها خليل الرحمن خصوصا تعاني من حالة فوضى وفلتان امني وعشائري ارقت، وازهقت أرواح العديد من ابناءها، وتعرضت متاجرها ومعارضها ومؤسساتها الصناعية للتدمير والحرق دون منطق، ومن غير رادع، وتحت سيف ومقصلة ردود الفعل العشارية والقبلية بين عشيرتي الجعابرة والعويوية، فتركت ندوبا سوداء في المحافظة الأكبر، والاهم اقتصاديا، والقت بظلال وغيوم ملبدة على حياة المجتمع ككل، وليس في نطاق العائلات المتورطة في دوامة الثأر والثأر المضاد غير المبررة، والمرفوضة، والمدانة، والتي لا يقبلها عقل، ولا منطق، ولا دين ولا نظام سياسي مهما كان شكله، في حال كان في وضع صحي وطبيعي.
لكن على ما يبدو ان يد السلطة الوطنية، وأجهزتها التنفيذية تقلصت نسبيا في الحضور، او جرى ويجري تغييبها بفعل العوامل المذكورة انفا، مما أعاد العشائرية لتتربع باسناد ودعم كل القوى المحافظة والمتخلفة والمدعومة من سلطات الاستعمار الإسرائيلي وقطعان المستعمرين، الذين سعوا عبر مخطط منهجي لتوسيع دائرة التناقضات داخل المجتمع في مدن وقرى وخرب ومخيمات محافظة الخليل، بهدف استباحتها لاحقا بشكل كامل، وتحقيق مآربهم في الحاقها بالضم اسوة بالقدس العاصمة الأبدية.
الان مطلوب من الجميع وخاصة السلطة الوطنية وحكومتها الشرعية، العمل بقوة وسرعة، ودون انتظار مزيد الوقت ومن تغول المنطق العشائري والقبلي على التالي: أولا فرض الامن بالقوة بين عشيرتي الجعبري والعويوي؛ ثانيا عدم مهادنة أي قاتل او معتد على أرواح الشباب من أبناء هذه العشيرة او تلك، او تعريض أي متجر او مؤسسة للتخريب؛ ثالثا محاكمة كل انسان على ما اقترفه من جرم ان كان بالقتل او الحرق او التخريب او لمجرد اطلاق النار؛ رابعا سحب ومصادرة السلاح غير الشرعي من أبناء العائلتين وكل العائلات في الخليل، خامسا وقف منظومة الإصلاح العشائرية، وفرض النظام والقانون دون تردد. لان بقاء الوضع على ما هو عليه، والخضوع للمنطق العشائري يعني التساوق معه، والقبول به، وإخضاع المواطنين لمنطقه، وهذا ما لا يجوز؛ سادسا زيادة اعداد ومعدات القوات الأمنية الشرطية وغيرها في محافظة الخليل، وليس في مركز المحافظة فقط؛ سابعا زيادة منسوب الوعي، ومطالبة منتسبي القوى والفصائل والمثقفين والاكاديميين الارتقاء لمستوى المسؤولية في تعميم الروح الوطنية، واعلاءها على العشائرية، ونبذ كل مثقف واكاديمي او اعلامي ومنتسب للأجهزة الأمنية او لفصائل منظمة التحرير في المحافظة والمجتمع ككل، وطرد منتسبي الأجهزة الأمنية الذين تورطوا او هادنوا المنطق القبلي؛ ثامنا حماية السلم الأهلي في المحافظة وعموم محافظات الوطن، والتصدي لكل القوى العبثية بدءا من أي فصيل او حركة او قوة او جهاز بالقوة؛ تاسعا توحيد ورص الصفوف في بوتقة الدفاع عن المصالح الوطنية، والتصدي للاستيطان الاستعماري، واستلهام نماذج الشخصيات الوطنية والقومية، وتمثل دورها بين الشباب من مختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية … إلخ
آن الأوان للضرب بيد من حديد على كل متطاول على الهوية الوطنية الفلسطينية، والسلم الأهلي هنا او هناك، وإعادة الاعتبار للنظام السياسي الفلسطيني التعددي الديمقراطي، والاسهام في فتح أبواب المحافظة امام ثورة ثقافية واسعة ببناء المسارح والسينما والمراكز والمنتديات الثقافية بعيدا عن التعصب والجهل والتخلف.
الخليل المدينة والمحافظة البطلة تستحق الكثير من العطاء، ومن إعادة الاعتبار لها ولمكانتها الريادية عبر النهوض بدورها الاجتماعي والاقتصادي والعمراني والثقافي الفني والكفاحي للدفاع عن الثوابت الوطنية.
oalghoul@gmaill.com
a.a.alrhman@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com