المحاصرون..رواية لفيصل حوراني.. مهند طلال الأخرس

رواية من القطع المتوسط تقع على متن ٢٣٢ صفحة، وهي صادرة بطبعتها الأولى سنة ١٩٧٣ عن نفس الكاتب، والرواية صدرت بطبعتها الثانية على متن ٢٠٠ صفحة عن المؤسسة الفلسطينية للإرشاد القومي سنة ٢٠٠٤ .

وفي معرض تقديمه للرواية في طبعتها الثانية كتب حوراني : “هذا النصّ هو إعادة إنتاج للرواية التي عنوانها (المحاصرون) والتي نشرتها العام ١٩٧٣، وكانت أول نصّ أدبي أكتبه ، ثم لم أعد نشرها، وإعادة الإنتاج هذه اقتضتها دوافع فنية في المقام الأول”.

المحاصرون؛ رواية لفيصل حوراني، تتحدث عن أحداث أيلول الأسود في الأردن، والذي وقعت أحداثه بين الفدائيين الفلسطينيين من جهة والنظام الأردني وجيشه من جهة أخرى.

الرواية كتبت بصورة تسجيلية سلسة ومشوقة، وهي ذات أحداث واقعية، ولا تخلوا الرواية من المواقف النقدية أيضا لكثير من المظاهر والممارسات والشعارات في حينها، وبالإضافة لكل ذلك فالرواية بعيدة كل البعد عن البغضاء والتهويل والفبركة، وتتناول الرواية الأحداث بصورة تحبس الأنفاس وتدمي القلب، لكنها مشبعة بكثير من العنفوان، كل هذا من خلال سيرة بطل الرواية خالد وحبيبته سميرة.

هذه الرواية تعد من بواكير الأعمال لفيصل حوراني أقل ما يقال عنها رائعة خاصة أنها من الروايات القليلة التي كتبت وتناولت أحداث أيلول الأسود، دون إغفال عن تناول جوانب الموضوع المختلفة مثل: استعراض النكبة والنكسة واندلاع الثورة وسنوات العنفوان في الأغوار الأردنية وبداية الاحتكاك بين قوات الثورة والنظام الأردني وجيشه وصولا إلى حصول الصدام، ثم الاعتقال في سجن الجفر، مع عرض لصور متعددة من التعذيب والتحقيق في المعتقل، والتي يقودها الضابط الرائد.

تندلع حرب حزيران وبطل الرواية خالد في المعتقل لدى النظام الأردني، يطلق سراحهم مع اندلاع الحرب وسقوط الضفة، ينضم خالد لصفوف الثورة ويتعرف على سميرة المنضمة أيضا لصفوف الثورة.

في الرواية يجتمع خالد مع سميرة، من خلال تقاطع سيرتهما، فخالد هاجر وأهله من المسمية على اثر النكبة ١٩٤٨ إلى غزة ، ومن هناك يذهب إلى دمشق حيث أقارب له ويكمل دراسته الجامعية، وهي إشارة إلى سيرة الكاتب نفسه.

بينما سميرة يهجر أهلها من حيفا ويرتحلون إلى دمشق ثم الكويت لغاية العمل وكسب الرزق، في الكويت تتعرض العائلة لكثير من المواقف السلبية والتي تنتقص من آدميتهم وفلسطينيتهم، من هذه المواقف قيام عجوز كويتي سبعيني بطلب يد سميرة ابنة ١٧ عاما، وترفض سميرة، وعلى اثر تدخل سافر من العجوز الكويتي ترحل سميرة وأهلها لمصر.

يجتمع خالد وسميرة وتدور حولهم الأحداث ومن خلالهم تطرح القضايا إلى أن تندلع أحداث أيلول الأسود، ويعتقل خالد وسميرة، وفي السجن يتبادلان الرسائل عن طريق السجان المعاقب أصلا بهذا الموقع.

حاول الكاتب ملامسة وجع التجربة الفلسطينية أثناء المرحلة الأردنية وان غيب الكاتب المكان والشخوص والأسماء، لتعبرّ هذه التجربة الفردية التي عرضها الكاتب عن الأنا الجمعية الفلسطينية التي تعرّضت للاستلاب والتغريب والتذويب والإهانة.

وخالد الذي يقبع في المعتقل، ورغم ما يعانيه من فعل التعذيب والإهانة والاستهداف يبقى صامداً ولا ينهار، لتختتم الرواية بفكرة الإرادة الفلسطينية الصلبة التي ترفض الإذعان والرضوخ مهما دارت الدوائر ..

وبالرغم ضيق الزنزانة ووحشية العزل وانفراديته إلاّ أن الذاكرة تنثال بحرقة وحرفية، حيث تشكل بتداعياتها واوجاعها سيرة الفلسطيني المغضوب والمتآمر عليه من الجميع..

في الزنزانة وعبر حالة وجدانية وقائعية تجعلنا نتعرف وبوضوح إلى خالد وبداياته وهواجسه ويومياته وتفاصيل العمل الحزبي والضغوط النفسية التي يمّر بها المعتقلون ..

ومن هنا فإن عنوان الرواية (المحاصرون) يحمل رمزية عالية نجحت بتلخيص أحداث الرواية بشكل رائع يحسب للكاتب، هذا علاوة ان اسم الرواية ومن خلاله استطاع الكاتب كشف الغطاء عن أولئك الذين وقعوا في الأسر، وإشكالية العلاقة مع السجان والمحقق في المعتقل ..

 هذه الرواية تضاف إلى سلة الأعمال الأدبية الخالدة التي كتبت عن فترة أحداث أيلول الأسود مثل: حبيبتي ميليشيا لتوفيق فياض، حب أقوى من الانتقام لبرهان نهاد جرار،  كتابات على جدران الزنزانة لغازي الخليلي، موسم الثلج الحار لمحمود عيسى، الرحلة الأخيرة لهشام شرابي، الصبار لسحر خليفة، بوصلة من اجل عباد الشمس ليانة بدر، الوطن في العينين لحميدة نعنع، خط الأفعى لليلى عسيران، العشاق والبكاء على صدر الحبيب لرشاد أبو شاور، الكلمة والبندقية مجموعة الإذاعة، أسير عاشق لجان جنييه، قصة مستشفى الاشرفية وايلول في جنوب الاردن لمحجوب عمر، ١١ يوم مات بعدها جمال عبد الناصر ليسري هاشم، وقصائد منقوشة على مسلة الاشرفية كتاب لمجموعة من الشعراء…

من الرواية:

“..كم كان يقول لهم إذا لم نكون تنظيما سياسيا مدربا على العمل في كل الظروف فإن بنادقنا ستصبح بغير فائدة،كانوا يعتقدون أن البندقية هي كل شيء..”

“اخرس ياقلم  ودو يارصاص !هذا شعار الثوار أيها الرفاق!بصدورنا إذا عزت المتاريس، بزنودنا اذا عزت البنادق، بأظافرنا اذا عزت الحراب، سنحطم الاستسلام والمستسلمين، سنقضي على المشاريع المشبوهة، سندمر قرار مجلس الامن، سنحفر قبر الحل السلمي والتسويات السياسية..”

رواية كتبت بمداد من دم وروح، وهي تستحق ان تعتلي رفوف مكتباتنا بجدارة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com