للاقتصاد الاسلامى ضوابط اخلاقيه

______

بقلم

د.سيد حسن السيد
الخبير الدولي للاتيكيت
واداب السلوك الاسلامي
_______

اذا كان القرأن الكريم هو دستور الحياه الإلهي ومفتاح الدارين والمنهج القويم الذي انزله الله جل شانه وعلاه علي خاتم المرسلين نبينا الخلوق الصادق الأمين و ذلك من اجل هدايتنا وتقويه ايماننا بوحدانيه الخالق وقدرته وعظمته سبحانه وتعالى ابتغاءا لمرضاته حتي ننال حسن الخاتمه
وفى القرآن الكريم من الايات ماتنظم امور حياتنا في الدنيا وتهذب سلوكياتنا و تحسن من تعاملاتنا ومعاملاتنا لكسب احترام وثقه الآخرين فينا
لهذا فقد شمل القران الي جانب ايات (العقيده والعبادات) ايات (الاخلاق والمعاملات )ولما كان اجمالي عدد ايات الذكر الحكيم في القران الكريم ٦٢٣٦ ايه فأن الله عز وجل بحكمته الالهيه قد حدد حوالي ١٥٥٩ ايه تتحدث عن الاخلاق أي ما يقرب من ربع القران في حين أن عدد الايات الوارد ذكرها في العبادات لا تتجاوز ١١٠ ايه
ومن ذلك يتضح ان الله سبحانه وتعالي اراد ان يؤكد لنا أن جميع الفرائض التي تؤدي عباده وطاعه لله يجب ان يصاحبها تحلي بمكارم الاخلاق كما أراد جل شأنه أن يوضح لنا ان الدين هو المعامله و ان العمل هو أيضا عباده وقد بين لنا الله تعالي
ذلك من خلال الضوابط السلوكيه
التي ورد ذكرها بالآيات الكريمه والتي يجب علينا الالتزام باتباعها اثناء تعاملاتنا الاجتماعيه ومعاملاتنا الماديه كي نرتقي ونهذب سلوكنا ونصير متحضرين ونتخلص من عاداتنا السلبيه حتي نتقدم في شتي المجالات ونستطيع أن نتغلب علي كل مانواجهه من مشكلات وتحديات وذلك من خلال تقوي الله وتمسكنا
بالقيم الاخلاقيه وفقا لماجاء بالقرأن الكريم والسنة النبويه الشريفه.
قال تعالي:” من يتقي الله يجعل له
مخرجا”
وقال الله عزوجل :” مااتاكم الرسول
فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا”

واذا أردنا أن نجد حلولا جذريه لكل مانواجهه فى حياتنا من مشكلات
وازمات يجب أن نعمل بما اوصى به
رسول الله ( صلوات الله عليه)حينما
قال:
” تركت فيكم ماان تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبدا كتاب الله وسنتى”

وفى ظل الازمه الاقتصاديه العالميه
التى أصبحت تعانى منها جميع دول العالم يمكن القول بانه:
اذا كان ربان سفينه الاقتصاد يستطيع أن يتحدى موجات الغلاء وارتفاع الاسعار والتضخم بعلم ودرايه ويواجه دوامات ازمات الاقتصاد العالميه بصبر وعنايه
حتى يصل بركاب السفينه من مستهلكين ومنتجين ومستوردين ومصدرين ومستثمرين إلى بر الامان بعد صراع مرير
فأن تلك السفينه لو ثقبت بيد من بداخلها لغرقت وكان أول الغارقون المنافقون الذين اثقبوها فى الخفاء ولم يرتدون اطواق النجاه على سبيل
التضليل
صدق الله العظيم تبارك وتعالى حينما قال:
” لايحيك المكر السيئ الا بأهله “

وحقا ما يقال من الامثال الشعبيه القديمه :
( من حفر حفره لاخيه وقع فيها)

كم من منافقين يعيشون بيننا وهم
يمكرون ويكيدون ولكن سرعان ما ينكشف أمرهم وتسقط اقنعتهم ويظهرون على حقيقتهم

ومن هؤلاء المنافقين اعداء الوطن الذين يحبطون العزائم والهمم ولايعترفون بفضل الوطن عليهم
ويستنكرون انتماؤهم وولاءهم له بعد ان تناسوا أن وطنهم هذا هو مهد صباهم وريعان شبابهم الذى تربوا على ارضه و نهلوا من خيراته واحتموا بحماه وشعروا فيه بالعزه والكرامه ولكنهم لم يقدرون ذلك لانهم من ناكري الجميل

ومنهم من باعوا وطنهم وفضلوا مغادرته للمشاركه فيما يحاك له من الخارج طمعا فى تحقيق ماربهم الشخصيه الدنيئه

وياليت هؤلاء المنافقون يتذكرون أن تحت تراب وطنهم رفات ابائهم واجدادهم لعلهم يدركون فضل هذا الوطن عليهم قبل أن يشعرون بالندم
حينما يذوقون مراره الغربه ويحرمون من الاستقرار بالبعد عنه

وعن صفات المنافق قال رسول الله
( صلى الله عليه وسلم ) : ” ايه المنافق ثلاث- اذا حدث كذب واذا
وعد اخلف واذا اؤتمن خان “

اما عن عقوبه المنافقين قال تعالى:
” أن المنافقين فى الدرك الأسفل من
النار ولن تجد لهم نصير ”
وقال الله عز وجل :” وبشر المنافقين
بأن لهم عذابا اليما”

ما أكثر المنافقين الذين توعدهم الله وما أحوج ضعاف الايمان ممن يدعون الورع والتقوي الى التوبه الى الله وطلب المغفره
.
ليت هؤلاء يتمسكون بتعاليم الدين الصحيح ولعلهم يدركون أن الإيمان الحقيقي ماوقر في القلب وصدقه العمل قولا وفعلا وسلوكا وليس مجرد اقوال فقط .
قال الله تعالي :” كبر مقتا عند الله ان تقولوا مالاتفعلون”

كم من مؤمنون يؤدون الفرائض
ولكنهم في غفله عما يصدر منهم
من سلوكيات خاطئه تلك التي تتنافي مع تعاليم الدين حينما نجدهم يتهكمون ويسخرون من غيرهم اويتجسسون او يتطاولون عليهم اويسبونوهم بالفاظ نابيه او يغتابونهم اويسيئون الظن بهم دون بينه وتلك بعض من مظاهر تدهور الأخلاق والانفلات السلوكي التي
افرزتها المتغيرات العصريه نتيجه عدم التمسك بتعاليم الدين بمفاهيمها
الصحيحه

فمن الضوابط السلوكيه الوارد ذكرها بايات الاخلاق علي سبيل المثال لا الحصر.:
قال تعالي:” يا أيها الذين آمنوا لابسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا
خير منهم ولانساء من نساء عسى أن
يكن خير منهن”

وقال عز وجل :” يا أيها الذين آمنوا
اجتنبوا كثيرا من الظن أن بعض الظن اثم ولاتجسسوا ولايغتب بعضكم بعضا ايحب احدكم أن يأكل لحم
أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله
أن الله تواب رحيم “

وقال سبحانه وتعالي :” يا أيها الذين
آمنوا أن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا
أن تصيبوا قوما بجهاله فتصبحوا
علي مافعلتم نادمين”

ومن المبادئ الأخلاقية التي تحض
علي الإحسان والتسامح قال الله جل شأنه: ” وبالوالدين إحسانا
وبذي القربي واليتامي والمساكين
والجار ذي القربي والجار الجنب
والصاحب بالجنب وابن السبيل”

وقال تعالي:” إنما المؤمنون أخوه
فأصلحوا بين اخويكم واتقوا الله
لعلكم ترحمون”

ان الأخلاق هي القاسم المشترك بين جميع الأديان وان اختلفت العقيده وان جميع الأديان تدعو الي المحبه والإخاء والتسامح و حسن الخلق وتعظيم قيمه الانتماء والولاء للوطن
وبخصوص المعاملات الماديه فلقد وضع الله عز وجل لنا من الضوابط السلوكيه ما ييسر علينا القيام بها مع حسن إداؤنا لتلك المعاملات وذلك وفقا لما ورد بالآيات الكريمه التاليه:
قال تعالي:” يا أيها الذين آمنوا لاتأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا
ان تكون تجاره عن تراض منكم”

لقد أحل الله البيع والشراء أي
التجاره وحرم الربا والرشوه لانهما
كالاموال التي تؤكل بالباطل

وقال جل شأنه:” يا أيها الذين آمنوا
اذا تداينتم بدين الي أجل مسمي
فأكتبوه و ليكتب بينكم كاتب عدل”

ان الهدف من كتابه الدين هو حفظ
الحقوق وعدم ضياعها كما أن كاتب
الدين يجب أن يكون عادلا حفاظا
علي أموال الدائنين
.
وقال تعالي ” ويل للمطففين الذين
اذا اكتالوا علي الناس يستوفون
واذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون”

أن الوفاء في الكيل والميزان هي
صوره من صور العداله النفسيه
والأدبية في كل المعاملات الانسانيه
التي تمنح الثقه بين المتعاملين
وذلك يؤدي الي استمرار حسن التعامل وتوطيد العلاقات الاجتماعيه بين جميع أفراد المجتمع مما يجعلهم كالبنيان المرصوص وذلك له مردود
إيجابي ينعكس أثره عليهم ويقوي روح التعامل فيما بينهم ويوحد جهودهم للمشاركه من أجل دفع عجله التنميه
قال تعالي:” وتعاونوا علي البر
والتقوي ولاتعاونوا علي الإثم والعدوان “

أن الاقتصاد الاسلامى لجدير بأن نشيد به ونذكر مزاياه ونبين أهميته ودوره فى مواجهه الازمه الاقتصاديه العالميه ولاسيما بعد اعتراف الغربيون انفسهم بذلك ٠

أن من اهم مزايا الاقتصاد الاسلامى انه قائم على المراقبه الذاتيه حيث أن الشريعه الاسلاميه قد حرمت الغش والاحتكار لانهما يؤديان لضياع الأموال وغلاء الاسعار وظلم المستهلك
ولقد نهى عن الاحتكار رسول الله
( صلى الله عليه وسلم ) حينما قال:
“الجالب مرزوق والمحتكر ملعون”

وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :” يئس العبد المحتكر أن
ارخص الله الاسعار حزن وان اغلاها
فرح
وعن تحريم رفع الاسعار قال رسول الله ( صلوات الله عليه ):
” من دخل فى شيئ من اسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقا على الله تبارك وتعالى ان يقعده بعظم من النار يوم القيامه ”
المقصود بعظم من النار : بمكان عظيم من النار.

أن النظام الاقتصادى الاسلامى تحكمه قاعده فقهية مستمده من حديث رسول الله ،( صلى الله عليه
وسلم )حينما قال :” لاضرر ولاضرار”
مع مراعاه ظروف الغارم حين عجزه عن الوفاء بما عليه من دين عملا بقول الله تعالى :
” وان كان ذو عسره فنظره إلى ميسره”

حقا ان ضابط المحاسبه
الالهيه هو الذى يكبح جماح الشهوه
الاقتصاديه الأمر الذى دعى
إلى انطلاق العديد من الأصوات فى الغرب التى تنادي بتطبيق أسس
الاقتصاد الاسلامى

فهذا هو ( يوفيس فاتسون) رئيس
مجله ( تشالينجز) الفرنسيه الذى
طالب بالاستنجاد بالنظام الاقتصادى
الاسلامى لتغيير النظام الاقتصادى
التقليدى العالمى لذلك قال :
( النقود لاتلد النقود – و اننا فى ظل الازمه العالميه نحن فى حاجه إلى قراءه القران وعلينا احترام ماورد
به من تعاليم وأحكام مع ضروره تطبيقها من أجل حل مانواجهه من أزمات اقتصاديه

اما ( رولان لاسكين) رئيس تحرير
مجله ( لو جورنال دى فينانس)
فقد طالب بضرورة تطبيق الشريعه
الاسلاميه فى المجال الاقتصادى

اما الباحثه الايطاليه ( لووريتا نابليون) مؤلفه كتاب ( اقتصاد ابن اوى) فقد ذكرت فى كتابها : ( اهميه التمويل الاسلامى ودوره فى انقاذ الاقتصاد الغربى)

وفى ظل المتغيرات العصريه التى
ادت إلى زحف الماديات ومانواجهه
من صراعات مستمر مع موجات ارتفاع الاسعار ودوامات الازمه الاقتصاديه العالميه المتلاحقه
ما احوجنا الان إلى التمسك
بالضوابط السلوكيه الاخلاقيه والوقوف خلف قيادتنا الرشيده الداعمه لدفع عجله التنميه المستدامة فى مسارها الصحيح
حتى نصل إلى بر الامان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com