قراءة في كتاب “الفتنة” للكاتب المصري نزار السيسي “يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية”

الكاتب والباحث/ ناهـض زقـوت

إن ما يحدث اليوم من فتنة لشباب الأمة الاسلامية هو حالة مرضية مزمنة تمتد جذورها إلى أحداث وقعت في عصر الخلافة الراشدة الأولى، تواصلت مخترقة كل تاريخ الدويلات الاسلامية، فلم تكن دولة أو خلافة قد خلت من الفتن ومن تشوية لصورة الاسلام تحت مسميات شتى، وتكفير العلماء والمفكرين المخالفين لأفكار مروجي الفتن، تلك الفتن التي ذهب ضحيتها خلفاء وعلماء ومفكرين وأناس أبرياء على أيدي أناس رفعوا راية الاسلام.
لقد أسفرت أحداث تلك الفتن عن خسائر فادحة حُفظت بين دفات كتب التاريخ المنصفة وما زال المسلمون يسددون فاتورتها حتى اليوم، كما أسهمت في تحويل مسار التاريخ الإسلامي، إذ تسببت في انشغال المسلمين لأول مرة عن الفتوحات بقتال بعضهم البعض، وهذا ما يحدث اليوم من الجماعات التي تدعي الاسلام ولم تقتل غير المسلمين، فالقاتل يقول “الله أكبر” والمقتول يقول “الله أكبر”، وفي خضم انشغال هذه الجماعات في قتل بعضها وتكفير بعضها، كان العدو المتربص بالأمة ينهب ثرواتها وخيراتها، وتلك الجماعات تعيش هوس شهوة السلطة وترفع شعار “قتال العدو القريب أولى من قتال العدو البعيد”.
منذ أن كتب طه حسين كتابه “الفتنة الكبرى” الذي سلط فيه الضوء على مجريات فتنة مقتل الخليفة عثمان بن عفان والخليفة علي بن أبي طالب، والتداعيات التي جرت بعد ذلك، وما ألحقته هذه الفتنة بالأمة الاسلامية من خراب ودمار. جاءت كل الكتابات بعده تناقش البعد السياسي لتلك الفتن التي مرت في التاريخ الاسلامي، وما أحدثته من تحولات في النظام السياسي الاسلامي، دون الخوض في الأبعاد الاجتماعية لما جنته هذه الفتن من ويلات على المسلمين، وما أحدثته من انقسامات وشروخات في جسد الأمة الاسلامية والعربية، إلى سنة وشيعة، وللسنة جماعات وتنظيمات، وللشيعة جماعات وتنظيمات، وما زالت الصراعات بينهما قائمة إلى اليوم، يدفع ثمنها شباب الأمة الاسلامية.
هذه الحالة من اليأس والقهر واللايقين التي أصيب بها قطاع كبير من شباب المسلمين هي التي دفعت الكاتب المصري نزار السيسي لكي يتصدى بكل قوة وإدراك وثقافة واطلاع، ويكتب كتابه (الفتنة) الصادر عن مكتبة سمير منصور للطباعة والنشر والتوزيع بغزة عام 2023، وقد سبق أن نشر كتابين وهما: (الضحية) عام 2019، و(الفخ) عام 2020 عن نفس دار النشر.
يجسد هذا الكتاب الفكري – التاريخي، والذي جاء في 310 صفحات من القطع المتوسط، مرحلة من أخطر المراحل التي مرت في التاريخ الاسلامي، حالة دينية غير طبيعية، وما زلت الأمة وشبابها تعاني من ويلاتها وتعيش آثارها، وهي مرحلة الفتن في ديار الاسلام وأسبابها ودوافعها، فثمة من اتخذها نموذجاً وسار على هديها في الوقت الحاضر، ويجمع الباحث في كتابة بين جذور الفتن وامتداداتها منذ عصر الخلافة الراشدة وصولاً إلى فتنة جماعات داعش وأشباهها. وبين ثنايا السرد يربط هذه الفتن بما يحدث للامة الاسلامية والعربية من فتن ومعارك وهمية تتخذ من الدين ستاراً، تستغل به ضعاف النفوس من الشباب غير المتعلمين.
وقد سجل على غلاف الكتاب تجنيس بأنها رواية، ولكن الكتاب ليس رواية بالمفهوم الفني للرواية، إنما هو حكايات يرويها الكاتب لأحفاده مستمدة من التاريخ العربي الاسلامي، ومن كتب التاريخ الموثوقة والمعتمدة كتاريخ ابن كثير، والكامل للمبرد، والمدائني، كما يستند كثيراً على الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ليؤكد رؤيته إلى هؤلاء الذين أشاعوا الفتنة، وفي كشف خطورة الفتنة على المجتمع، وعقاب الذين يسعون لنشر الفتنة بين الناس. ويسعى من خلال هذا السرد الحكائي التاريخي إلى ربط الماضي بالحاضر بهدف تنبيه الأمة وشبابها إلى الأخطار المحدقة بها، وأن هذه الجماعات التي تدعي الاسلام ما هي إلا تلبس شيطان في ثياب إيمان.
جاء الكتاب متحدثاً عن تسع فتن قديمة وحديثة، يشير الكاتب في الفهرس أنها عشر حكايات عن الفتن، ولكن الفتنة الثامنة غير موجودة، هل حذفها الكاتب أم ثمة خطأ في تسلسل كتابة الفتن.
كانت بدايتها فتنة مسيلمة الكذاب وردة المسلمين، فلم يكد يمضي على وفاة رسولنا الكريم فترة قصيرة، ولم يكد الصحابة يفيقوا من هول الصدمة، حتى أحاطت بالمسلمين المصائب والفتن، فكانت ردة المسلمين عن دينهم، وفتنة مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة استناداً إلى كذبة روجها على لسان رسولنا الكريم أن “محمد رسول الله يشركه في النبوة من بعده”، فخدع قومه وحرفهم عن دين الله، وصنع لهم قرآناً، وكل هدفه فيما فعل هو الوصول إلى السلطة والجاه، فاتخذ من أساليب الرسالة المحمدية طريقاً لنشر الفتنة، ولكي يؤكد لأتباعه أنه صاحب حق ورسالة، وبهذا الخداع التف حوله عدد من الأتباع، حتى وصل الأمر إلى سجاح وهي الأخرى مدعية نبوة إلى التحالف معه، بل والزواج منه، ولكنها بعد مقتله تراجعت وعادت إلى الدين الاسلامي فقد أدركت الحق وعرفت كذب مسيلمة.
وما أشبهه الليلة بالبارحة حسب رؤية الباحث، ففتنة الماضي لا تقل اجراماً عن فتنة الحاضر، فالرؤية واحدة والهدف واحد هو السلطة والجاه، فشق مسيلمة عصا الطاعة والبيعة، كما تشق الجماعات التي ترفع شعار الاسلام عصا الطاعة على الدولة لأنها ترفض مقاسمتها في السلطة والجاه، لهذا كانت معركة اليمامة واجبة وضرورية للقضاء على الفتنة حسب رأي الباحث لأن القضاء على الفتنة يعيد للدولة هيبتها، كما أعاد قتل مسيلمة للدولة الاسلامية عنفوانها وقوتها في عهد خلافة أبو بكر الصديق، ورد المسلمين إلى دينهم القويم.
ويأتي على فتنة بن الأشعث تلك الفتنة التي وقعت في عهد الدولة الأموية، وكان السبب وراءها كما يذكر الباحث “هو البغض والحسد والكراهية بين الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراق والمشرق المعين من قبل الخليفة عبد الملك بن مروان، وبين قائد من قادته وهو عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث”. ويشير الباحث إلى عدد من الأحاديث والآيات التي لا تجيز خروج أحد على الحاكم حتى وإن اختلف معه. هذه الفتنة أدت إلى صراع دموي راح ضحيته أكثر من ربع مليون مسلم قتلوا فيها وسفكت الدماء المعصومة، وذل فيها العلماء والقراء، وعرضت الأمة للانهيار والخطر الداهم، خاصة أن بعض علماء الأمة تحالفوا مع ابن الأشعث لكرههم للحجاج، فأعمتهم الفتنة فلم يبصروا حقيقتها، وأصمتهم الشعارات الزائفة باسم الدين ورفع الظلم عن المظلومين.
وقد وصل الأمر بابن الأشعث أن خلع الحجاج وخليفته، والناس بايعته دون أن تدرك عواقب أفعالها، إنما كرههم لسياسة الحجاج هي التي دفعتهم، كما دفعت العلماء إلى تبرير هذا الخروج على الخليفة. في هذا الوقت كان العدو التركي يتربص ببلاد المسلمين، فترك ابن الأشعث قتال الترك وقاتل الحجاج وجيش الخليفة، وعندما هزم التجأ إلى ملك الترك عدوه لكي يحميه وترك الناس وأتباعه للموت. كما يرسم الكاتب صورة للمنافقين الذين يتلونون مع كل اتجاه، فهذا عامر الشعبي الإمام الثقة، قد أصبح إماماً للمنافق الذي يستخدم الدين لمآرب غير التي أقرها الاسلام.
إن العبرة التي نستمدها من فتنة ابن الأشعث تتوافق مع ما يحدث اليوم، فالذين خرجوا على الدولة السورية باسم الدين، هم أنفسهم حينما يصابون في المعارك يلجأون إلى أسيادهم في دولة العدو الاسرائيلي لكي يعالجهم ويحميهم.
ويتحدث الكتاب عن فتنة الخوارج، هذه الفتنة التي تعد من أخطر الفتن التي مرت بها الأمة الاسلامية، وما زالت تعيش تداعياتها ونتائجها، فقد كانت سبباً في انقسام الأمة إلى سنة وشيعة، مما أدخل الأمة وشبابها في متاهات فكرية وفقهية كبيرة جلبت الويلات على الشعوب العربية والاسلامية، وباسم الدين وراية الاسلام قتل خليفة المسلمين علي بن أبي طالب على يد الخوارجي عبد الله بن ملجم، وعشرات الصحابة والتابعين.
تأخذ هذه الفتنة مساحة كبيرة في الكتاب لأهميتها وخطرها، حيث يقدم الباحث تعريفاً بهم وسبب تسميتهم، وتاريخ نشأتهم، ويذكر أحاديث الرسول التي تحذر من الخوارج ووجوب قتالهم. فالخوارج هم فرقة مارقة من الدين وجماعة متطرفة مبتدعة، قال فيهم رسولنا الكريم “عن يسير بن عمرو قال: سألت سهل بن حنيف: هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الخوارج؟، فقال: سمعته وأشار بيده نحو المشرق، قوم يقرؤون القرآن بألسنتهم لا يعدو تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية”. كما يتحدث عن صفاتهم ويذكر أحاديث النبي عن صفاتهم، فهم: أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية، فيهم ضعفاً في فقه دين الله، يجتهدون في العبادات، شر الخلق والخليقة، سيماهم التحليق أي حلق الشعر واستئصاله، يقتلون أهل الإيمان ويدعون أهل الأوثان، يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه، يعجبون الناس وتعجبهم أنفسهم، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء، يتشددون في العبادة، الأجر العظيم لمن قتلهم أو قتلوه، إنهم يحسنون القول ويسيئون الفعل، إنهم كلاب النار. تلك هي الصفات التي ذكرها الباحث لهم مستنداً إلى أحاديث رسول الله عنهم. وتلك الصفات لا تختلف كثيراً عن صفات جماعات اليوم التي تتلبس الاسلام زوراً وبهتاناً.
ويؤكد أن الخوارج هم أول من أطلق وصمة الكفر على المسلمين، وحاربوهم على قاعدة الإيمان والكفر، وتلاعبوا في نصوص القرآن لتتوافق مع أهوائهم ورؤاهم الفكرية المخالفة للشريعة الاسلامية. ويربط الباحث بين خوارج الماضي وخوارج الحاضر، فهم صنوان لجماعة مارقة استباحت دماء المسلمين وكفرتهم، وحرفت النصوص الدينية لكي توافق مآربها وأهدافها، وشهوة السلطة هي هدفهم الرئيسي.
الخوارج استباحوا دماء المسلمين عن علم ودراية، وليس عن جهل وعدم إيمان، فهذا ابن عباس حينما ذهب لمناظرتهم حول صراعهم مع علي بن أبي طالب، وجدهم كما ينقل الباحث: “فدخلت على قوم لم أر قوماً أشد اجتهاداً منهم، أيديهم كأنها ثفن الإبل، ووجوههم معلمة من آثار السجود”. ورغم تشددهم في الدين إلا أنهم استباحوا الدماء وقتلوا صاحب رسول الله عبد الله بن حباب وبقروا بطن امرأته الحامل دون أن يرف لهم جفن.
ويتناول الكتاب شخصية عبد الله بن ملجم قاتل الخليفة علي بن أبي طالب، من حيث صفاته وإيمانه، ولا يمكن للعقل أن يتصور أن قاتل خليفة المسلمين هو رجل زاهد عابد ورع حافظ للقرآن ومحفظه. وقد قتل الخليفة وهو يردد “ومن الناس من يشتري نفسه ابتغاء مرضات الله، والله رؤوف بالعباد”. ورغم ورعه وإيمانه فقد ختم حياته بسوء الخاتمة وذلك لانجراره خلف أفكار الخوارج التي أفسدت شباب الأمة، ودفعته لقتل أحد المبشرين بالجنة، لأنه في نظره كافر لم يلتزم بفكر جماعته.
وما الماضي إلا صورة الحاضر، فشخصية ابن ملجم تكررت في التاريخ الاسلامي، ونشاهد اليوم أمثاله من شباب المسلمين من يدعون التقرب إلى الله بقتل الأبرياء من المسلمين الآمنين، حتى وصل بهم الأمر إلى تفجير أنفسهم بالمصلين في المساجد، وبث الخوف والرعب منهاجاً لهم في سبيل الدعوة، وينطبق عليهم قول رسول الله: “سيقرأ القرآن رجال لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية”.
يحاول الكاتب في كتابة أن يبرز امتدادات فكر الخوارج وتأثر شباب المسلمين بهذا الفكر، فينتقل بالقارئ إلى فتن العصر الحديث، ويذكر فتنة جماعة التكفير والهجرة الذي حمل لوائها شكري مصطفى في سبعينات القرن العشرين بمصر.
إن التعصب والاندفاع نحو الخروج على المجتمع والدولة يرجع إلى أبعاد نفسية واجتماعية، وهذا ما حدث مع شكري مصطفى، فقد أبرز الباحث سيرة حياته والعقد النفسية والأسرية التي عانى منها، فجعلت منه شخصية مهزوزة حاقدة على المجتمع، فارغ فكرياً ودينياً، فأصبح عجينة يسهل تشكيلها، فجاءت فرصة السجن ليتم تلاعب الاخوان في عقله وتشكيله وزرع أفكار لم يقل بها الاسلام، ولكنها توافقت مع الظروف التي يعيشها شكري مصطفى، فعقدة النقص والدونية التي كان يشعر بهما، شكلا لديه هاجس الزعامة، فتبنى فكرة تكفير الدولة والمجتمع والخروج عليهم والهجرة عنهم لتكوين مجتمع الإيمان، ونشر أفكاره بين أتباعه التي تعبر عن يأسه من الحياة والناس والمجتمع.
وعندما سفه الامام الشيخ محمد حسين الذهبي أفكاره بالأدلة الشرعية، مما أدى إلى تفكك تنظيمه وخروج الكثير من أتباعه عنه، فأصيب بحالة من الجنون، وأفتى بقتل كل من ينشق عنه، وقام بخطف الإمام الذهبي وقتله، فألقي القبض عليه وإعدامه. ولكن فكرة التكفير والهجرة أصبحت رؤية فكرية وتنظيمية للعديد من الأشخاص، ما زالوا سائرون بها رغم ضلالها ومروقها من الدين.
في رأينا أن أفراد الجماعات الاسلامية لا يحتاجون إلى وعي ديني بقدر ما يحتاجون إلى علاج نفسي، فهم مرضى ويحملون عقد اجتماعية مرتبطة بالبيئة والتنشئة الأسرية، ويتم استغلالهم في الحلقات الدينية بناء على ماضيهم الأسري، فيتم زرع الأفكار التي تتوافق مع أهوائهم تجاه المجتمع والدولة.
ويواصل مع فتنة جهيمان العتيبي قائد عملية الاستيلاء على الحرم المكي عام 1979. يمهد الباحث للحديث عن هذه الشخصية بتناول تاريخ الدولة السعودية والفكر الوهابي وأثر هذا الفكر على الرؤى الشرعية الدينية للدولة السعودية، والتحالف بين آل سعود والاخوان المسلمين، والدور البريطاني في دعم الدولة السعودية وجماعة الاخوان، واستقواء الاخوان المسلمين على قادة الدولة السعودية والتدخل في شؤون الدولة سعياً لكي يكون لهم نصيب من الحكم والهيمنة، وعندما استفحل أمرهم حاربهم بن سعود وقضى على شرهم، واستقر له الحكم. وبقيت الثارات القديمة متغلغلة في نفوس أبناء الذين قتلهم ابن سعود من رجالات القبائل، وكانت البداية اقتحام التلفزيون السعودي سنة 1965 على يد خالد بن مساعد أحد أفراد الأسرة الحاكمة حيث كان يرى كما يقول الباحث في التلفزيون خطراً على الأمة، وأثناء محاولة القبض عليه قتل، فقام أخوه فيصل بن مساعد بالانتقام له بدعم من الامريكان وذلك بقتل الملك فيصل، فقد تلاقت المصالح على قاعدة الثأر، أمريكا تسعى لقتله لأنه أوقف عنهم البترول في حرب أكتوبر 1973، فاستغلوا حمية الانتقام لدى فيصل لقتل عمه.
يروي الباحث سيرة حياة جهيمان العتيبي، والدوافع التي كونت شخصيته، والأسباب التي دفعته لاقتحام الحرم المكي، يقول الباحث: كان محمد (والد جهيمان) يجتمع مع أولاده ويقص عليهم قصته مع الاخوان (المسلمين)، وما حصل معهم ومع آل سعود، وكان يبث في حديثه البغض والكراهية وعدم الاعتراف بولاية آل سعود والحقد عليهم، وتمنى زوال ملكهم لأنهم في نظره خونة تأمروا مع الانجليز والامريكان ضد المسلمين وقتلوهم”. في هذه الأجواء السوداوية نشأ جهيمان وتشرب أفكار أبيه.
التحق جهيمان بالحرس السعودي بهدف الاطلاع على أسرار الجيش السعودي، لكي يتخذ منها وسيلة لتحقيق هدفه والثأر لجماعته وعشيرته، وأثناء عمله التحق بالجامعة لدراسة الشريعة الاسلامية، وفي الجامعة تعرف على طلاب من جنسيات مختلفة، فكانت فرصة بالنسبة إليه لبث أفكاره ونشرها بين الطلاب. كان جهيمان يرى في التطور ومظاهر التقدم لدى الدولة منكراً وحراماً وفساداً، وكفراً بواحاً يجب ازالته. وبهذه الأفكار شكل جهيمان مع أصدقائه الجماعة السلفية المحتسبة، كما يقول الباحث، وتعني أنهم محتسبون وليسوا موظفين براتب في الدولة، وأخذ ينشر دعوته، ويستغل موسم الحج لتكوين تحالفات مع الجماعات التكفيرية والسلفية في البلدان العربية الأخرى، نمت الجماعة وتوسعت، وأصبح لها فروع في الدول المجاورة وخاصة الكويت.
بدأ جهيمان في ممارسة العنف والاعتداء على مرافق الدولة والمحال التجارية، ودخل في نقاش وجدل مع الشيخ عبد العزيز بن باز، ويطرح الباحث المحاورات والمناظرات حول مقاومة المنكر باليد بالاستناد إلى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ولكن جهيمان لم يتراجع عن أفكاره التي أخذت في الانتشار، حتى أصبح مهوساً بفكرة المهدي المنتظر تلك الفكرة التي حاول أن يلبسها إلى محمد بن عبد الله القحطاني ويقنع أتباعه بها. يناقش الباحث الأفكار التي وردت حول المهدي المنتظر في الأحاديث وكلام العلماء ورجال الدين، والعلامات التي تسبق ظهور المهدي. وقد حاول القحطاني أن يرده عن هذه الفكرة، ويبين له خطورة طرحها على الأمة، يقول: “وأنت تعلم من التاريخ والسيرة أن العشرات من الناس خرجوا وادعوا المهدية، وكانت فتنة في البلاد جرت الويلات على المسلمين، وفي النهاية قتلوا وماتوا وانتهت فتنتهم بعد أن تسبب في القتل وإراقة الدماء”. ويقدم الباحث نماذج ممن ادعوا المهدية ومصيرهم. ويشير إلى أن جهيمان ما زال مع القحطاني يقنعه بأنه المهدي حتى اقتنع.
أخذ جهيمان بجمع السلاح ويخطط مع أتباعه لإسقاط الدولة واعلان المهدي المنتظر حاكماً، يقول الباحث: “قام جهيمان بالتخطيط لإسقاط الدولة بناء على ثأره القديم من آل سعود، واعتقاده في القحطاني أنه المهدي، وأخذ يرتب الأحداث كما جاءت في كتب الملاحم والفتن وينزلها على واقعه متأولاً الأحاديث النبوية ومتجاهلاً حقيقتها التي لم يحضر زمانها”.
وقد أعاد جهيمان سيرة القرامطة، واقتحم نحو 200 شخص وعلى رأسهم جهيمان الحرم المكي عند صلاة الفجر وكانت مياه الوضوء تقطر من أطرافهم ومن لحاهم، يحملون النعوش للصلاة على أصحابها، ولكن لم يكن فيها أموات بل أسلحة وذخيرة، وبعد الصلاة بدأ الاستيلاء على الحرم بقوة السلاح وقتل الحراس، وأغلقت الأبواب وتحصنوا داخله. ارتبكت قيادة الدولة من هذا الفعل واعتبرته انقلاب على الدولة، واختلفت الآراء حول كيفية مواجهتهم، وضربت مدافع الدبابات والرشاشات الحرم، ويفصل الكاتب تفاصيل المعركة والدماء التي سالت على ستار الكعبة، ومقتل القحطاني، وطال أمد الحصار، وطالبت السعودية من فرنسا التدخل لإنهاء الوضع بشيك مالي مفتوح، وتمكن الفريق الفرنسي من اقتحام الحرم بعد ضربه بالطائرات، وقنابل الغاز، فقتلوا أعداداً كبيرة من المقتحمين، واستسلم جهيمان وقدم للمحاكمة وأعدم.
وكما لكل فعل اجرامي دموي تقوم به الجماعات الإسلامية تبرير لهذا الفعل، فقد برر جهيمان كما يقول الكاتب، هجومه على الكعبة باعتباره نصرة للمهدي المنتظر الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعد أن ملئت جوراً وظلماً، والدعوة إلى مبايعة القحطاني خليفة للمسلمين وإماماً لهم”. ولكنه لا خلافة أقام، ولا دماء أبقى، ولا دين نصر، بل سفك دماء وانتهاك حرمات.
سقط وهم جهيمان بالمهدية والخلافة الراشدة، وفشل في تحقيق نزواته في الحكم والسيطرة، وتبخرت فكرة الخلاص لديه من الدنيا ومن واقعه ومن خصومه، فقد كان جهيمان غير متصالح مع نفسه ولا مع مجتمعه، وكان يعتقد أنه يستطيع هزيمة الدولة بجيشها ومؤسساتها وامكانياتها. ورغم اعدامه إلا أن أفكاره لم تعدم يقول الباحث: “ظلت كتاباته ورسائله تنتشر وما زالت إلى يومنا هذا مرجعاً للجهاديين منظرين وحركيين، فتأثير جهيمان العتيبي لم يكن بحادثة الحرم المكي، ولم يكن بفكرة المهدية أو الاحتساب، وإنما الأمر يرتبط بشكل كبير بفكرة الحاكمية والخلافة والبيعة والإمارة والطاعة”. تلك الأفكار هي اليوم مرجعية كل التنظيمات والجماعات الاسلامية دون استثناء، وتنطلق من تكفير الحاكم والدولة والمجتمع، ووجوب الخروج عليهم.
عانت مصر فترة طويلة من الفتن والقتل باسم الدين من طرف جماعات تدعي الاسلام وتسعى نحو إسقاط الدولة واستلام الحكم، ومن هذه الجماعات ما اصطلح على تسميته جماعة الشوقيين التي ظهرت في ثمانينات القرن العشرين، على يد شخص تلبسه الشيطان يدعى شوقي الشيخ. كان عضواً في الجماعة الاسلامية وقام بكل المهام التي اسندت إليه من عنف وقتل وارهاب للآمنين، وتم اعتقاله في بداية الثمانينات، وفي السجن تعرف على أفكار جماعة التوقف والتبين، والتقى مع شخصيات تنظيمية متطرفة وتأثر بأفكارهم، وبعد خروجه كون جماعة مستقلة أشد تطرفاً من كل الجماعات التي التقى بها تستند إلى كتابات ابن تيمية والحاكمية والولاء والبراء، والتف حوله الاتباع، وأعلن نفسه والياً على قرية كحك في الفيوم مسقط رأسه، يقول الباحث: فرض سطوته بالقوة على الأهالي وهدد الأغنياء منهم، ومنع اقامة سرادق العزاء للميت ومن سيخالف سيحرق السرادق بالنار، وفعلاً نفذ تهديده وأضرم النار أكثر من مرة في سرادق والناس جلوس داخله. تحول شوقي في نظر الأهالي إلى بطل شعبي لأنه لعب على حاجة الناس الاقتصادية، وساوى بين الفقراء والأغنياء في المظاهر الاجتماعية، دون أن يدققوا في أفكاره الدينية وأهدافه الخبيثة.
هذه البطولة لم تعجب الجماعة الاسلامية، فاحتدم الصراع بينهم، حتى أفتى شوقي بقتل عمر عبد الرحمن قائد الجماعة الاسلامية قائلاً لاتباعه: “من يأتيني برأس عمر عبد الرحمن وله الجنة”. كما وزع فتاويه التي لا تستقيم مع الدين، وقسم الناس إلى كافر مسالم وكافر محارب، والجميع يستوي في الكفر ما عدا أفراد جماعته. وأخذ يستبيح كل شيء يقع تحت يده من ممتلكات الأهالي، وابتزاز الأغنياء وتجار الذهب من المسيحيين، ويتدخل في كل أمور قريته وناسها، مما جعل الأهالي يضجون من تصرفاته التي تقتطع من أرزاقهم لصالح جماعته الذين يعيشون في رغد العيش، ويعيثون في القرية فساداً واستغلالاً.
لقد أسقط شوقي وأتباعه هيبة الدولة بتصرفاتهم الخارجة عن القانون، فتحركت قوى الأمن لمواجهة شوقي وأتباعه، لإثبات هيبة الدولة لدى الأهالي، وللمحافظة على أرواحهم وممتلكاتهم، وواجهته بقوة السلاح حتى تمكنت منه وقتلته مع بعض أتباعه، واعتقلت الآخرين. ولكن فكره تواصل من خلال أحد أتباعه واسمه حلمي هاشم أو كما سمى نفسه شاكر نعمة الله، الذي عمل على ترسيخ فكر الشوقيين بإعداد النشرات والكتيبات، التي أصبحت منهجاً لدى الدواعش.
وفي الفتنة السابعة بتناول فتنة الجماعة الاسلامية التي تكونت ملامحها في السبعينات، من طلاب كلية الطب بمصر، وانتشرت متبنية فكر أبو الأعلى المودودي في الهند وباكستان، والتحق بها الأتباع من الجماعات الأخرى الذين خرجوا من السجن. وبعد حرب أكتوبر ومعاهدة السلام، انقسمت أفكار الجماعة بين مؤيد لسياسة الدولة ومعارض لها، وكان المعارضون أشد صوتاً وقوة، انتقلوا إلى الصعيد وكونوا جماعة بنفس الاسم وأعلنوا الشيخ عمر عبد الرحمن أميراً عليهم، وأخذوا يعملون في الدعوة والأمر بالمعروف، حتى قابلوا محمد عبد السلام فرج أحد أعضاء جماعة الجهاد ومؤلف كتاب الفريضة الغائبة، ورغم التباينات الفكرية بينهم، إلا أنهم توحدوا في سنة 1981 حول هدف قتل رئيس الدولة (السادات)، في محاولة لاستيلاء على الحكم، ونفذوا مخططهم يوم احتفالات السادس من أكتوبر، وقاموا بخلق فوضى كبيرة في أنحاء مصر، إلى أن تمكنت منهم قوى الأمن بالقضاء عليهم وخلع جذورهم. يقول الكاتب: “إن فتنة الجهاد والجماعة الاسلامية كانت فتنة صعبة جداً على الجميع، وأخذت من الدولة من الوقت والجهد والمال والكوادر العلمية المدربة الشيء الكثير، ولو صرفت هذه الجهود في البناء لعاد ذلك على الناس والمجتمع بالخير والتطوير والتمية”.
ويصل الكاتب في حكايات الفتن التي عادت على الأمة العربية والاسلامية بالويلات والنكبات إلى الحديث عن فتنة القاعدة في افغانستان. يتناول الكاتب نشأة تنظيم القاعدة ودور امريكا في مساعدة المجاهدين العرب في الوصول إلى كابول للمشاركة في محاربة الاتحاد السوفيتي، فتحول مكتب الخدمات الذي اسسه عبد الله عزام في افغانستان لاستقبال المجاهدين إلى معسكر تدريب وقاعدة للمجاهدين، وارسالهم إلى جبهات القتال، ودعمت امريكا وبعض البلدان العربية القاعدة، بالإضافة إلى تبرعات أسامة بن لادن وبعض الأغنياء العرب، فتكون تنظيم القاعدة لمحاربة القوات السوفيتية لمصلحة أمريكا، وبعد مقتل عبد الله عزام تولى أسامة بن لادن قيادة التنظيم.
وبعد خروج القوات السوفيتية من افغانستان كما يقول الكاتب انقلب السحر على الساحر، بعد أن ظنت امريكا أن حليفها القاعدة سوف يسهل لها احتلال افغانستان، ولكنها وجدت القاعدة عدوها في افغانستان، بل عدوها في كل المنطقة العربية، مما جعل الشباب العربي المسلم يلتف حول القاعدة باعتبارها عدو امريكا والغرب الكافر. ولم تستمر في زهوها إذ سرعان ما تحولت إلى نهج القتل والارهاب، وتعددت مسمياتها في البلدان العربية، وبدأت في ارتكاب أعمال اجرامية بحق السكان الآمنين، وأريقت الدماء المعصومة وكثر التفجير القتل في بلاد المسلمين.
وكان من نتائج أعمالهم الارهابية غزو امريكا للعراق وافغانستان، فظهرت جماعة التوحيد والجهاد في سيناء استلهموا فكر القاعدة كما يقول الكاتب، وتربوا على أدبياتها، وساعدتهم البيئة الصحراوية الوعرة ووفرة السلاح وكثرة الخارجين على القانون وأهل السوابق الاجرامية وتجار المخدرات، كل هذا ساهم في مساعدتهم على التكوين والانتشار، وكانوا نواة التطرف والغلو في الدين، إلى جانب تنظيمات أخرى تستلهم أفكارهم، وقاموا في البداية بعمليات تستهدف السياح اليهود، والفنادق والمنتجعات السياحية في تحدي لهيبة الدولة المصرية ومحاولة خلق فوضى داخلية.
يشير الباحث إلى الخلافات التنظيمية بين الجماعات التي انتشرت في سيناء، والانشقاقات والتكوينات الجديدة لتنظيمات تتبنى الفكر المتطرف. كما يؤكد على أن الأحداث التي وقعت في فلسطين واندلاع انتفاضة الأقصى، والممارسات العدوانية التي يرتكبها الجيش الاسرائيلي ضد الفلسطينيين ساهمت في تبني جماعة طبيب الأسنان (لم يذكر اسمه) على محاربة اليهود، وشكل تنظيمه معتمداً على أبناء القبائل، وأخذ ينشر بينهم أفكاره القائمة على الجهاد والحاكمية لله والولاء والبراء، إلى جانب تدريبهم على السلاح وتصنيع المفرقعات. وبعد أحداث سبتمبر 2001 في امريكا، تأثر طبيب الأسنان بفكر القاعدة، وعندما لم يستطع السفر مع اتباعه إلى افغانستان، تحول إلى استهداف الاسرائيليين ورعايا الدول المشاركة في العراق والبلاد الاسلامية.
كانت مساعي طبيب الاسنان البحث عن الشهرة والمجد، فتنقل بين مسميات التنظيم حينما يشعر أن هذا التنظيم يرفع من شأنه، بعد شهرة أبو مصعب الزرقاوي في العراق، تبنى اسم تنظيمه التوحيد والجهاد، الذي تحول لاحقاً إلى ولاية سيناء تابعة لتنظيم داعش.
لم تقف الدولة المصرية وأجهزتها الأمنية وجيشها الباسل مكتوفي الأيدي أمام هذه الجماعات الارهابية، بل واجهتها بكل قوة وتصدي، وتمكنت من قتل طبيب الأسنان وكل عناصره، ومن لم يقتل منهم ألقي القبض عليه وأودع السجن، ولكنهم تمكنوا من الفرار من السجن عقب ثورة يناير 2011، وعادوا إلى سيناء والتحقوا بتنظيمات ارهابية بمسميات جديدة.
وكانت الفتنة الأخيرة التي يتحدث عنها الكاتب في كتابه فتنة داعش وولاية سيناء، تلك الفتنة التي ما زلت مصر نعيش تداعياتها وآثارها، رغم قدرتها في القضاء على الارهاب في سيناء. في هذا الفصل يتحدث الكاتب عن جذور نشأة تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام، المعروف باسم داعش. ومكوناته وقادته، وأماكن نشاطه، وتأثره بفكر القاعدة. أما عن تواجده في سيناء يذكر الكاتب أنه في عام 2014 خرج تنظيم جماعة أنصار بيت المقدس في عرض عسكري يحملون رايات سوداء ويهتفون هتافات مؤيدة لأبو بكر البغدادي زعيم داعش، ووزعوا منشورات يعلنون فيها الانضمام لتنظيم الدولة واعلان سيناء ولاية اسلامية.
وبعد هذا الاعلان زاد نشاطهم ضد الجيش المصري والشرطة، ولم يسلم الأهالي من شرهم، بقتل كل من يشكون أنه يتعاون مع الجيش أو الشرطة. ولم تتوان الدولة وأجهزتها وجيشها عن قتلهم لاستئصال وجودهم في سيناء، لتطهير البلاد من التطرف والارهاب.
لقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة (يقصد الاسلامية) على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي. هذا الحديث النبوي يؤكد على أن كل الجماعات التي تدعي الاسلام في النار، لأنها لم تكن تسير على هدي رسولنا وسنته وكتاب الله، بل كانت تسير وفق أهوائها نحو السلطة والجاه، وهدم أركان المجتمع المسلم.
ورغم رفضنا الكامل للفتنة التي تدمر الدولة المدنية الحديثة، والتي هي مستقر الشعوب وحمايتها ومعيشتها، إلا أننا نؤكد أن الفتنة في بعض سياقاتها القرآنية ليست الاحتراب والخلاف والقتل، كما هو مدلولها في الثقافة الشعبية والخطاب الديني التقليدي. بل هي أشد من ذلك وأكبر: “وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ”. (البقرة 191). “وَالفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ القَتْلِ” (البقرة 217). إنها على العموم كل ما يصل بالإنسان إلى حالة من الشعور بالقهر والتيه وفقدان اليقين. وهذا تماماً ما حدث مع ابن الأشعث الذي استغل كره الناس للحجاج وممارساته، ودفعهم للتمرد عليه وخلعه، فإذا كان ابن الأشعث كارهاً للحجاج ويسعى لأخذ مكانه، ساعده في ذلك ظلم الحجاج للناس، فساندوا ابن الأشعث ضد الحجاج.
لهذا نقول على رأس الدولة أن يكون عادلاً ويراعي مصالح الناس حتى لا يتمكن الخونة والمنافقين من استمالة الناس ودفعهم للعصيان بشعاراتهم البراقة التي تسلب عقول الناس في رفع الظلم عنهم. الناس تبحث عن لقمة عيش وحياة كريمة، فإذا فقدوها يفقدون عقولهم، ويصبحون لقمة سائغة لكل من يدعوهم إلى الثورة وعصيان الدولة.
كتاب الفتنة الذي خطه قلم الكاتب والمفكر المصري نزار السيسي غني بالمعلومات والأفكار والرؤى، ولم يكن فيه الكاتب متجنياً على فكر أو جماعة، بل قدم الحقيقة التاريخية، والرؤية الفكرية لهذه الجماعات سواء القديمة منها أو الحديثة، مؤكداً على الترابط الفكري بين الماضي والحاضر في شأن هذه الجماعات، من حيث أن جميعها هدفها الحكم والسيطرة تحت إدعاء نشر الدين واقامة الخلافة. ورسالته للشباب أن لا تنخدعوا بالشعارات المغلفة بالدين، فهي أداة للاستغلال توصلكم للموت دون تحقيق مآربكم، والخسران في الآخرة. كما يوجه رسالته إلى الدولة بالعمل على رعاية الشباب بالعلم والمعرفة، وتعليمهم أصول الدين الصحيح، وتعزيز الانتماء لديهم للوطن، والعمل على محاربة الظلم والفساد وتطهير البلاد من الفاسدين والمنحرفين بحزم وقوة، وصناعة اعلام هادف يرسخ القيم والأخلاق الاسلامية بعيداً عن الاسفاف وخطاب التطرف الذي يساهم في تمزق نسيج المجتمع ووحدته الوطنية.
كتاب الفتنة يثري المكتبة العربية، ولا بد لكل رب أسرة ومثقف وباحث وشيخ وعالم دين أن يقتني هذا الكتاب، ويعلمه لأبنائه، وينشر أفكاره ورسالته بين أفراد المجتمع من خلال الندوات واللقاءات العلمية والثقافية. وكل ما كتبناه عن الكتاب لا يغني عن قراءته، فثمة الكثير من الأفكار والمنطلقات والوقائع والرؤى لم نتطرق إليها لضيق المجال، سدد الله خطى الكاتب نزار السيسي وزاد من علمه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com