توترات كورتي مع الإتحاد الأوروبي هي الأكثر ضررًا لمصالح كوسوفو الوطنية

لا يزال رئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي غارقًا في هوسه بصربيا، ويبدو أنه لم يفهم أبدًا أن استقلال كوسوفو وأمنها ورفاهيتها لا تعتمد على ما يقوله أو يفعله الرئيس الصربي فوتشيتش، بل يعتمد فقط على التزامات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لحماية أمن كوسوفو واستقلالها.

إنه لأمر محير أن ندرك لماذا ينجح هذا السياسي الذي يعتبر نفسه ذكياً وملتزماً بالمصلحة الوطنية لبلاده في تنفير أفضل أصدقائه وأفضل أنصاره وأفضل حماته والذين بدونهم لا تستطيع كوسوفو البقاء كدولة مستقلة وآمنة. ربما يتعين على رئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي أن يأخذ بعض الوقت ويفكر في الأسباب التي قد تدفع الاتحاد الأوروبي وتحت أي ظروف إلى تقويض المصالح الوطنية لكوسوفو فقط من أجل استرضاء صربيا. واعتقاد كورتي بأن الاتحاد الأوروبي يريد استيعاب صربيا على حسابه هو أمر مضلل ويؤدي إلى نتائج عكسية. ويتعين عليه أن يدرك الآن أنه إذا كان راغباً في انضمام كوسوفو إلى الاتحاد الأوروبي في وقت ما في المستقبل القريب، فلابد وأن يعمل جنباً إلى جنب مع الاتحاد الأوروبي في كافة النواحي وأن يتجنب أي صراع قد يعوق عملية التكامل في بلاده.

ورغم أن الممثل الأعلى للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ألقى باللوم على كوسوفو لفشلها في تنفيذ الاتفاق مع صربيا بشأن تطبيع العلاقات، مشيرا إلى أن كورتي “لم يكن مستعدا للمضي قدما”، فإن كورتي يحتاج إلى أن يفهم أن اللوم ليس بلا أساس.

وبادئ ذي بدء، يتعين على كورتي أن يدرك أن اعتراف صربيا النهائي بكوسوفو من غير الممكن أن يتحقق إلا على مراحل استناداً إلى الخطوات المتبادلة التي تتخذها بلغراد وبريشتينا. ويخطئ كورتي في ادعائه قائلاً: “إما أن ننفذ الاتفاق برمته بالكامل أو لن ننفذ فقط ما تريده صربيا. لقد مات هذا المنطق”.

المشكلة هي أن كلاً من الرئيس الصربي فوتشيتش وكورتي يطالب كلّ منهما الآخر باتخاذ الخطوة الأولى، وهو موقف مغلوط لا يؤدي إلى أي شيء. يريد فوتشيتش أن يرى تقدمًا أولاً في إنشاء رابطة البلديات الصربية التي ستضم 10 بلديات ذات أغلبية صربية في كوسوفو، بينما يريد كورتي من صربيا أن تتخذ الخطوة الأولى من خلال اتخاذ خطوات نحو الاعتراف رسميًا باستقلالها، وهو ما يرفضه فوتشيتش.

ولكن يقع العبء في هذا الصدد على أية حال بشكل مباشر على عاتق كورتي الذي تراجع حتى الآن عن إنشاء رابطة البلديات الصربية التي تم الاتفاق عليها وكان ينبغي تنفيذها منذ فترة طويلة. بالإضافة إلى ذلك، وكما كرر بوريل، فإن كورتي “أخفق بشدة” في عدم اتخاذ خطوات لتهدئة التوترات من خلال إجراء انتخابات جديدة في البلديات ذات الأغلبية الصربية في شمال كوسوفو، حيث قاطع المجتمع الصربي الانتخابات الأصلية. إن بوريل محق في اقتراحه بأن كورتي بحاجة إلى إجراء انتخابات جديدة لإظهار جهود حسن النية لتحقيق ما يجب القيام به دون أي تأخير أو شروط مسبقة.

ثانياً، إذا كان هدف كورتي هو دمج كوسوفو في المجتمع الأوروبي، فيجب عليه تحسين علاقاته مع الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي قد يفتح الباب على نطاق أوسع أمام دول الاتحاد الأوروبي الخمس التي لم تعترف بكوسوفو بعد وهي: قبرص وإسبانيا ورومانيا واليونان وسلوفاكيا – أن تقوم بذلك، وهو أمر لا بد منه قبل أن تتمكن كوسوفو من الانضمام إلى الكتلة. ويتعين عليه أن يثبت أنه مستعد وراغب في العمل مع الاتحاد الأوروبي لحل كل قضية متنازعة بين كوسوفو وصربيا، وألا يتجاهل بسهولة النصيحة التي قدمها بوريل.

علاوة على ذلك، يجب على كورتي أن يتنازل أو يجد حلولا وسط عندما يطلب منه التوصل إلى اتفاقات، وألا يتمسّك بمساومة موضعية لا تترك مجالاً للمفاوضات. وكان بوريل محقاً في تحذيره من أن المأزق بين كوسوفو وصربيا يضر برغبة البلدين في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ذات يوم. وأضاف أنه “في نهاية المطاف، فإن أكثر من يعاني من عدم قدرة قادتهم على الالتزام بأقوالهم هم المواطنون”.

وبالتالي، فمن خلال حل قضية اتحاد البلديات الصربية وتحديد موعد لإجراء انتخابات جديدة، سيسمح للاتحاد الأوروبي بالاعتماد بشكل كبير على فوتشيتش للرد بالمثل. على سبيل المثال، يمكنه الضغط على صربيا لوقف عرقلة تنفيذ اتفاقيتي الطاقة لعامي 2013 و2015. ومع ذلك، انضمت صربيا إلى منصة شبه جزيرة القرم بهدف التراجع عن ضم روسيا لشبه الجزيرة في عام 2014. ويشير هذا بوضوح إلى أن التحالف التاريخي الطويل بين صربيا وروسيا يضعف مع تطلع بلغراد إلى الإندماج مع الاتحاد الأوروبي في حين تقطع علاقاتها تدريجيا مع روسيا. ومن المؤكد أنه في غياب الخطوات المتبادلة فإن كوسوفو وصربيا تخاطران بمستقبلهما الأوروبي.

ثالثا، يتعين على كورتي أن يتذكر أن هناك مخاوف كبيرة في الغرب من احتمال استخدام روسيا بلغراد لإعادة إشعال الصراعات العرقية في البلقان، وخاصة الآن بعد أن اندلعت الحرب في أوكرانيا دون أن تلوح لها نهاية في الأفق. لا يستطيع كورتي، بل لا ينبغي له، أن يأخذ هذه المسألة باستخفاف. إن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة منشغلان بتصميم بوتين على زعزعة استقرار البلقان ومحاولة استخدام فوتشيتش لتنفيذ أوامره.

ولمنع حدوث ذلك، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يجذب صربيا إلى فلكه. ومن الحماقة أن نفترض أن الجهود التي يبذلها الاتحاد الأوروبي في هذا الصدد سوف تلحق الضرر بكوسوفو بأي شكل من الأشكال. بل على العكس من ذلك، فكلما اقتربت صربيا من الاتحاد الأوروبي، كلما كان ذلك أفضل بالنسبة لكوسوفو لأن هذا سيؤدي دائمًا إلى تهيئة مناخ أكثر ملاءمة من شأنه تسريع عملية التطبيع بين كوسوفو وصربيا وكذلك اعتراف الأخيرة بكوسوفو.

لقد حان الوقت لكي ينزل كورتي إلى الأرض ويتوقف عن اتخاذ مواقف تتعارض تمامًا مع ما يمليه الواقع. إن الفكرة القائلة بأن الاتحاد الأوروبي يتصرف ضد مصلحة كوسوفو هي فكرة مضللة تماماً. من السخافة حقًا أن يقول كورتي في مؤتمر صحفي في بريشتينا: “كان هناك موقف واضح للوسيط [ميروسلاف لايتشاك] ضد كوسوفو… لقد قطعوا شوطًا طويلاً في مهاجمة مستقبل كوسوفو”، ويجب عليه أن يعترف بأخطائه وأن يعقد العزم على اتخاذ كافة الخطوات اللازمة لدفع كوسوفو نحو التحول إلى جزء لا يتجزأ من الاتحاد الأوروبي.

لم يفعل النهج الحالي الذي يتبناه كورتي شيئا سوى الإضرار بشكل كبير بعلاقاته مع الاتحاد الأوروبي إلى الحد الذي اضطر فيه الأخير إلى فرض عقوبات على كوسوفو، وهو ما يوضح مدى عمق تدهور العلاقات الثنائية بين البلدين. وإذا استمر كورتي في السير على هذا الطريق المسدود، فلن يكون أمام الاتحاد الأوروبي خيار سوى الانتظار حتى يتم تشكيل الحكومة المقبلة في كوسوفو وترك كورتي بلا أي شيء ليحققه.

أجل، فبدلاً من دفع عملية الاندماج في الاتحاد الأوروبي إلى الأمام، وهو الأمر الذي يتوق إليه أهل كوسوفو كافة، فقد عمل كورتي على الإستمرار في إبعاد كوسوفو عن الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي أثار استياء شعب كوسوفو وخيبة أمله تماما. وربما يكون هذا هو الإرث الذي سيتركه وراءه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com