#من_فقه_الضراعة

أفضلِ الأذكارِ التي تقال في الحربِ؛ هل هيَ الصلاة على النّبيِّ ﷺ أم الحَوقلةُ، أم الاستغفارُ، أم الحسْبلةُ؟

والجوابُ يتخّلصُ في خمسِ نقاطٍ إليكَها:

1. إنَّ ذكرَ اللهِ تعالى مستحبٌّ فِي أحوالِ المُسلمِ عامّةً، وقامَ دليلُ النّقلِ على اشتدادِ استحبابِ الإكثارِ مِن الذِّكرِ عندَ ملاقاةِ العدوِّ؛ لقولِ اللهِ تعالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا ‌وَاذْكُرُوا ‌اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأنفال: 45].

وسرُّ ذلكَ أنَّ ذكرَ اللهِ أثناءَ القتالِ يحقّقُ معنَى العبوديّةِ للهِ، ويُشعِرُ المجاهدَ بمعنَى الإيمانِ والتّفويضِ والتّوكّلِ على اللهِ، ويقوِّي الرّوحَ المعنويّة، فبذكرِه سبحانَهُ تطمئنُّ القلوبُ، ويؤمّلُ النّصرُ، وبدعائِه تتبدّدُ الكروبُ والمخاوِفُ، ويحلُو المَوتُ فِي سبيلِ اللهِّ عزّ وجلّ.

2. لَم يثبُت عَن النّبيِّ ﷺ أنَّه أمرَ بذكرٍ مُعيَّنٍ يُلتزَمُ عندَ الحربِ، أو يداوَمُ عليهِ عندَ القِتَالِ، وعليهِ؛ فيستحبُّ مطلقُ الذِّكرِ، سواءٌ كانً قرآناً يُتلَى، أو صلاةً علَى المصطفى ﷺ، أو غيرَ ذلكَ مِن مأثورِ الذِّكرِ؛ كالحوقلَةِ، والحمدلَةِ، والحَسبلَةِ، والسّبحلةِ، والهَيللةِ، أو مُطلقِ الدُّعاءِ، ما لم يكنٍ بإثمٍ أو قطيعةِ رحمٍ.

3. ثبتَ عَن المُصطفَى ﷺ أنّه دلَّ أصحابَه رضيَ الله عنهُم علَى دعواتٍ تُقالُ عندَ الكربِ والشدَّةِ أياً كانَ سببُها، منهَا الأحاديثُ الثلاثةُ التاليةُ:

أ‌. حديثُ أَبِي بَكرَةَ رضيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: (دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ عَلَى صَاحِبِهِ) [أبو داود: 5090، أحمد: 20430].

ب‌. عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَدعُو عِنْدَ الكَربِ يَقُولُ: (لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَرَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ) [البخاري: 6345]، وفي رواية (وَرَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ) [البخاري: 6346، ومسلم: 2730].

ت‌. عَنْ أَسمَاءَ بِنتِ عُمَيْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنها قَالَت: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أَلَا أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ تَقُولِينَهُنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ؟ اللَّهُ.. اللَّهُ رَبِّي لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) [أبو داود: 1525].

4. بيَّنَ القرآنُ والسنّةُ فضلَ الدُّعاءِ بشكلٍ عامٍّ، وفِي الحربِ وعندَ ملاقاةِ العدوِّ خاصَّةً، فقالَ تعالَى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ ‌رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 146-148]، وعن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضيَ اللهُ عنهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ ثُمَّ قَرَأَ: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [الترمذي: 3247].

5. أُثِرَ عَن النّبِيِّ ﷺ أدعيةٌ قالَهُنّ فِي عددٍ مِن غزواتِهِ وحروبِهِ، أشهرُها دعوتَانِ:

أ‌. عَن الفاروقِ رضيَ اللهُ عنهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: (اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ)، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ… فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9].

ب‌. عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضيَ اللهُ عنهُ قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلَى الْأَحْزَابِ، فَقَالَ: (اللهُمَّ، مُنْزِلَ الْكِتَابِ، سَرِيعَ الْحِسَابِ، اهْزِمِ الْأَحْزَابَ، اللهُمَّ، اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ) [البخاري: 2933، مسلم: 1742].

وحسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ، لا إله إلا هوَ، عليهِ توكلنَا، وهو ربُّ العرشِ العظيم.
#طوفان_الأقصى

✍ محمد سليمان نصر الله الفرا
24 ربيع الأول من عام 1445هـ
الموافق 9 تشرين الأول 2023م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com