الكيان الصهيوني يتهم إيران بالوقوف خلف عملية طوفان الأقصى؟/ عميرة أيسر- كاتب جزائري

عملت الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ نشأتها على دعم كافة أشكال وأنواع المقاومة ضد الكيان الصهيوني الغاصب، وكان لها دور كبير في تطوير قدرات المقاومة سواء في لبنان أو فلسطين أو اليمن أو العراق وسوريا، وقدمت قوافل من المجاهدين والشهداء في هذا الطريق، ولم تبخل على حركات المقاومة العربية والإسلامية بالمساعدة بغض النظر عن توجهاتها الدينية أو المذهبية، مادام أنها تسعى لطرد المحتلين الصهاينة وأذنابهم من الحركات والمنظمات الإرهابية كالقاعدة و داعش، ومن يدعمها عربياً وغربياً، وكانت أبرز الرافضين للتطبيع مع تل أبيب رغم كل الضغوط الأمريكية والغربية التي مورست ضدّها، وتمكنت من الاحتفاظ ببرنامجها النووي لأنها تعلم بأن مصيرها سيكون كمصير العراق وليبيا، وكل الدول التي تخلت عن برامجها النووية السلمية أو العسكرية، ووثقت بالغرب فدفعت الثمن غالياً جداً، وفي عملية طوفان الأقصى كان الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي أول من اتصل بقيادة المقاومة وأعلن دعمه الكامل لها، بينما غاب القادة العرب المتخاذلين كالعادة، بل هناك من بعث بطياريه للمشاركة في قصف غزة كما فعل محمد بن زايد وحمل المقاومة نتيجة ما يحدث، رغم أن ما قامت به هو دفاع مشروع عن النفس في وجه احتلال ظالم غاشم قمعي يحتل أراضي عربية واسلامية مقدسة منذ 75 عام، وقرر هذه المرة المقاومين معاملة الصهاينة بالمثل واعتبروا كل مستوطن هو محتل يجب معاقبته حتى يكون عبرة لغيرة، بغض النظر عن اختلافنا معهم في هذه النقطة بالتحديد،  فطهران اعتبرت بأن حركات المقاومة في قطاع عزة المحاصر منذ 2005م، وسط صمت عربي وأممي مهين، قد سئمت من المماطلة والوعود الكاذبة وأسطوانة السّلام المشروخة التي نسمعها منذ اتفاقيات أوسلو الموقعة مع الكيان الصهيوني، لأن إسرائيل ككيان مجرم ومحتل لا يفقه إلاّ لغة القوة، لا يريد أن يعطي للفلسطينيين دولتهم المستقلة، وذلك بدعم أمريكي كامل، وهذا ما ظهر بشكل جلي وواضح بعد عملية طوفان الأقصى عندما رفض ممثل واشنطن في مجلس الأمن التأكيد على حل الدولتين، وحاول اقناع أعضاءه الدائمين بإدانة حركة حماس وعملية طوفان الأقصى، رغم أن كل الفصائل الفلسطينية قد شاركت فيها بما فيها تلك التابعة لحركة فتح، إذ في رده على سؤال حول ماذا كان حل الدولتين بين إسرائيل وفلسطين أمراً مهماً قال: سيكون هناك وقت لذلك، علينا أن نتعامل مع مسألة احتجاز الرهائن والهجمات التي تشنها حماس. كما ذكر موقع الإمارات 71 ، بتاريخ 9 اكتوبر/تشرين الأول 2023م، في مقال بعنوان ( واشنطن تفشل في ايجاد إجماع  بمجلس الأمن  الدولي يدين حركة حماس).

فالولايات المتحدة الأمريكية التي أكد رئيسها جوزيف بايدن بأن بلاده تدعم إسرائيل بشكل مطلق قامت بتحريك بوارجها الحربية وحاملة طائراتها المتطورة يوأس أس جيرالد فورد، وذلك ساعات قليلة بعد إعلان نتنياهو الحرب على قطاع غزة، ودعوته جنود الاحتياط  للالتحاق بوحداتهم العسكرية التي خدموا فيها، في رسالة واضحة لإيران وحزب الله، وكل حركات المقاومة في المنطقة بأن واشنطن لن تدع تل أبيب وحيدة في معركتها الوجودية تلك، لأن عملية طوفان الأقصى شكلت تهديداً جيواستراتيجياً كبير للكيان الصهيوني الذي فقد قدرته على الردع، وأصبح مكشوفاً أمام المقاومة التي استطاعت السيطرة وبشكل كامل على مستوطنات غلاف غزة، وشلّ قدرته الهجومية والدفاعية الاستراتيجية في المناطق الجنوبية، وهذا ما شكل صدمة للعقل العسكري الصهيوني الذي اعتقد بأن حركات المقاومة في غزة لم تعد تمتلك الامكانيات العسكرية أو التكنولوجية التقنية والوسائل القتالية، للقيام بعملية عسكرية كبيرة دمرت أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وهذا باعتراف جنرالات الكيان وكبار ضباطه الذين أصبحوا متخوفين من عملية برية في قطاع غزة تكون لها نتائج كارثية عليهم مثلما قال: أفي سيسخاروف محرر الشؤون العربية في صحيفة يديعوت أحرنوت إذ أكد على أن ما حصل على حدود غزة شكل معضلة للاحتلال فمن ناحية يجب الرد عليه، بطريقة غير مسبوقة، ومن ناحية أخرى، يرجح أن تكون حماس قد استعدت مسبقاً لهذا الرد العدواني، خاصة إذا كان الحديث يدور عن عملية برية، مع وجود أسلحة وخطة دفاعية، لكن هناك عوامل قد تؤخر العملية البرية، كما أن تشكيل الحكومة  الحالية والمستشارين المحيطين تجعل نبيامين نتنياهو يخشى إعطاء الأمر للقوات بالدخول. كما ذكر موقع عربي 21، بتاريخ 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2023م، في مقال بعنوان ( اعتراف إسرائيلي،  لسنا جاهزين لعملية برية، والدعم الأمريكي رسالة ضعف).

إيران بعد الخسائر الفادحة التي لحقت بالكيان المحتل في الأرواح والعتاد، وكسر هيبته واصابته بالشلل الاقتصادي تكون قد وجهت ضربة قادمة للتطبيع السعودي الصهيوني وزعزعة ثقة حلفاءها العرب المطبعين الذين صدموا من حجم الضعف الذي ظهرت به إسرائيل التي لم تستطع تدارك ما حصل، واستعانت بعشرات الآلاف من الجنود والضباط للقضاء على بضعة آلاف من المقاتلين وصل عددهم حسب الصحف العبرية 1500 مقاتل، وأثبتت طهران بأن دعمها لحركات المقاومة الفلسطينية بالمال والسلاح والعتاد والتدريب، قد منحها القدرة على ضرب العمق الصهيوني، وهو ما أشارت إليه صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، إذ نقلت ذات الصحيفة في تقريرها عن مسؤولين استخباراتيين قولهم ان ” الدور الدقيق لإيران في أعمال العنف، السبب لا يزال غير واضح، ولكن الهجوم بعكس طموح طهران المستمر منذ سنوات لمحاصرة إسرائيل بجيوش من المقاتلين شبه العسكريين المسلحين بأنظمة متطورة بشكل متزايد قادرة على ضرب العمق الاسرائيلي”. كما ذكر موقع قناة الحرة، بتاريخ 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2023م، في مقال بعنوان (تقرير ” بصمات إيرانية” وراء هجوم حماس ” واستعداد مسبق منذ عام).

فايران حسب المنظور الصهيوني الأمريكي لها بصمة في كل ما يحدث، وهي الرابح الأكبر في هذه الجولة من الصراع  في لعبة الحسابات الجيو استراتيجية، والتي تعتبر حاسمة ومفصلية، لأنه حتى وان لم تندلع حرب اقليمية كبرى، فإن إسرائيل تكون قد فقدت قدرتها على الردع وأصبحت أراضيها مستباحة، لذلك فهي تقوم بتدبير قطاع عزة بالكامل واجبار سكانه للنزوح نحو مصر في مخطط مدروس ومعد مسبقاً، تفطنت له الدولة المصرية، ليس إلاّ تعبيراً عن حجم اليأس والغضب والاحباط الصهيوني، ويبدو بأن تل أبيب تعيش سنواتها الأخيرة وكل المؤشرات بات تدل على ذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com