حرب إسرائيل الأولى والأخيرة/   الكاتب أسامة نجاتي سدر … فلسطين الخليل

ان استفزك العنوان فابدأ بعدّ الحروب التي تعرفها قاتلت فيها أو درستها أو سمعت عنها ثم قرر بموضوعية، فإن رأيت النكبة فهي تسليمٌ لأرض تم بين محتل اغتصب أرضا لا يملكها وسلب أهلها القوة، ثم أخضع جيرانها ليسلمها لعصابات إجرامية ساعدته خلال الحرب العالمية الثانية وليتخلص من نتانة الجيتوات في عواصمه المخلفة، ثم تمر على العدوان الثلاثي على مصر وتنسى بأنه مجرد ضربة جوية  للنظام المصري حتى تُخضعه وترميه في حضن أمريكا، لم يكن للجيش المصري أو العربي أي تدخل فيه بل كانت المقاومة فيه للشعب المصري نفسه، وتذكر النكسة وكأنها لم تكن خيانة واستسلاما وتسليما لما تم الاتفاق عليه بين العرب والإسرائيليين برعاية دولية، وتبعها تعديل طفيف للحدود لصالح مصر وسورياعام الثلاثة والسبعين، تبعه حسب الخطة اعتراف متبادل بين العدوتين المخلصتين، وما كان الاعتداء على لبنان عام 1982 وطرد منظمة التحرير حرباً والعالم يشهد بأنها متفق عليه لإبعاد خطر الفلسطينيين عن إسرائيل والحركات العنصرية في لبنان، أما حلقات العدوان على غزة فهي شارة عز توجت شعبنا الأعزل وصنعت مجدا للصامدين في وجه جيش منظم ليس له إلا دمه رتبة عسكرية وركام حيه ساحة ميدانا للعز. 

تخلصت حماس من مخازن العنتريات الفارغة التي أشبعتنا بها الأنظمة والحركات العربية منذ بداية القرن الماضي، واستغنت عن ردة الفعل المتسرعة، واستعانت بعد رب العزة بالتدريب والتخطيط وانتهاز الفرصة المناسبة للانقضاض على العدو دون أي تردد، وكان لهم أكثر من خطة قابلة للتطبيق تعتمد على المعطيات في الميدان تضمنت توزيع الهجوم على المغتصبات، وتفتيت قوة جيش الاحتلال وكسر عزيمة جنوده والحصول على الغنائم وتوزيعها دون أن يتم تتبعها عبر الأجهزة الإلكترونية والتعامل مع الأسرى العسكريين والمدنيين، وخطة أخرى اعتمدت على الجيوش العربية والأجهزة الأمنية الفلسطينية والمقاومة في الضفة الغربية وشعوب الأمة العربية والإسلامية لن نعرف تفاصيلها أبدا، لكننا نعلم أن نتيجتها كانت ستكون استعادة الأرض وحفظ الكرامة وزوال العار الذي كلّل جبين الأمة منذ الاحتلال. 

فاجأ الفلسطينيون العالم أجمع بهذا الهجوم، بل تفاجأ العالم بسُبات أجهزة المخابرات  العسكرية الإسرائيلية كالشاباك والموساد بكل قوتها التقنية والبشرية، وتحطمت صورة الجهاز الذي لا تغيب عنه معلومة ولا تمر من تحته المياه، وبزغ نجم استخبارات استطاعت أن تخفي خطة عسكرية بهذا الحجم وتحديد ساعة الصفر دون أن تُفضح ويكشف أمرها من الأعداء والأصدقاء حتى المجاهدين أنفسهم بل وقادة في حماس وكتائب القسام نفسها، وقد كانت مواقف وتصريحات قادة الحركة السياسيين خلال الفترة الماضية تجعل الحليم في حيرة فهي أقل صخبا من غيرها من أصوات الحركات والمنظمات الفلسطينية، وكان صمتها المريب وتشنجها عندما ردت سرايا القدس التابعة للجهاد الإسلامي على اغتيال قادتها مستنكرا، وجعلها عرضة للانتقاد والقيل والقال، إلا من قال (لا يفتي أهل الدثور لأهل الثغور) أو أن (أهل مكة أدرى بشعابها) وقلوب الشعب يعتصرها الألم بتحول الحركة المقاومة إلى المساومة وحب السلطة، وفي آذاننا وعود قادتهم بأن سيف القدس لن يغمد قبل التحرير أبدا، وأن الاعتداء على المسجد الأقصى يدفعهم لحربٍ دينية لا مناص من خوضها بكل قوة. 

لم يستطع الجيش الإسرائيلي استيعاب الضربة قبل ساعات من الهجوم، وجعلت المفاجأة القادة السياسيين والعسكريين في صدمة لن يتجاوزوها أبدا، فبدأوا بشن غارات على المدنيين العزّل والمجمعات السكنية والمساجد ومدارس وكالة الغوث في تخبط واضح، وتأخر وصول جنودهم  للساحة حتى تم القضاء على كتيبة غزة بشكل كامل وبات جنودها بين قتيل على الأرض وأسرى تم جرهم إلى مأمنهم داخل غزة، وإغراق وسائل التواصل الاجتماعي بمئات الصور والفيديوهات التي بثت الأمل والفرحة في قلوب الأمة من الشرق إلى الغرب، ورعبا لن يفارق قلوب الإسرائيليين إلى الأبد، وعلى عكس التوقعات بأن يعود المقاتلون إلى ثكناتهم وانتظار ردة الفعل الإسرائيلية ومن ثمّ تدخل مصر والأطراف الدولية المعتادة لوقف النار بقي المقاتلون في مواقعهم واستمروا بالقتال مع وصول إمدادات متتابعة لهم، وها هي إسرائيل تعلن الحرب على المدنيين والأطفال وكأنما ليس هناك أهداف عسكرية لها كالعادة، فالجبهات كثيرة والأهداف المدنية مكشوفة أما المواجهة المباشرة مع مقاتلي حماس على الأرض من مسافة الصفر فهي خارج الاحتمالات. 

مهما كانت خسائر الفلسطينيين كبيرة فلن ترفع ذل الهزيمة التي تكبدها الاحتلال، ولن يكون ما قبل الحرب كبعدها، فما كانت نتائج الحرب تقاس بعدد الضحايا وإنما بالأهداف التي تحققها، فالفلسطينيون بددوا أسطورة الجيش الذي لا يُهزم، وكسروا وهم المخابرات التي لا تسقط، وخزنوا في صدورهم هواء أراضيهم المحتلة حتى شبعوا ولا بد أنهم أدمنوه ولا يمكن لهم إلا أن يعودوا إليه طال الزمن أو قصر، وأخذوا تذكرة الحرية معهم لكل أسرى الوطن بإذن الله، ومال ميزان الرعب لصالحهم هذه المرة ولعله لا يعتدل أبدا، أما شعب إسرائيل فقد رأى قادتهم يتخبطون تحت الأزمة، ونساؤهم المدنيات تساق إلى الأسر بلا كرامة، والجنود تطأطأ الرأس وتساق كالبهائم بيد جنود فلسطينيين، ودباباتهم وجيباتهم أصبحت للاستعراض والتخميس في شوارع غزة، أما مدنهم فقد استبيحت في وضح النهار، أما الأمن والأمان فقد غاب إلى غير رجعة. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com