النخلة العاقر.. مهند طلال الأخرس

النخلة العاقر رواية تسجيلية لعبد الكريم عيد الحشاش وتقع على متن 262 صفحة من القطع المتوسط، وتتناول بالتوثيق السردي تفاصيل عبور الدوريات إلى الوطن المحتل برّاً وبحراً، وظروف الاعتقال وحياة المعتقل.

والرواية تصلح كدليل للمناضل ولتثقيفه وتصليبه وإعداده لمواجهة كل الظروف لا سيما الأخذ بكل الأسباب والتجارب التي تعينه على مواجهة الاعتقال ومجابهة أساليب التحقيق. فالرواية تصف كيفية بناء القواعد وسبل التخفي عن المطاردة وتستعرض صورا لحياة كثير من المطاردين وبطولاتهم ومعاناتهم وتستعرض بعض فنون الاحتلال بالإيقاع بهم واعتقالهم أو تصفيتهم، وكما تسجل الرواية لحظات الوقوع في الأسر لطاقم الدورية أبطال الرواية .

 كما تتناول الرواية في طياتها أساليب التحقيق والتعذيب وتستعرض أيضا تطوّر التحقيق وفنون التعذيب لدى أجهزة العدو، كما تتناول قصصا وحكايا كثيرة من قصص صمود المناضلين وصبرهم ونضالاتهم في المعتقل مع استعراض لكثير من هذه الصور والشهادات الحية بالإضافة إلى تناول الإضرابات للأسرى وإسهاماتها في تحسين ظروف الاعتقال.

كما تستعرض الرواية كثيرا من الصور السلبية للاعتقال مثل تهافت الضعفاء وسقوطهم بغية منافع وامتيازات مادية ودنيوية رخيصة وهذا ما تم توثيقه من خلال استعراض بعض الأحداث ذات الدلالة والإشارة الواضحة المتعلقة بالجواسيس والعصافير بالإضافة إلى استعراض لكثير من أساليب الإسقاط والتجنيد لهؤلاء الجواسيس.

 الرواية تصف حياة ونضال المعتقلين في السجون الإسرائيلية راصدة البعد الإنساني فيها دون أن تغفل أيضا عن استعراض أداء السجانين ومدراء السجن والإشارة إلى بغضهم وحقدهم وسوء معاملتهم مع تسجيل كثير من المواقف الطريفة على ذلك.

كما تتعرض الرواية في فصلها الأخير لمحولات الهروب الكثيرة للمعتقلين الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية سواء ما نجح منها وما أخفق، وفي هذا الفصل بالذات وعند استعراض كثير من قصص وبطولات الهروب لا سيما تلك الفريدة والأثيرة والتي كان بطلها الفدائي الفذ حمزة يونس صاحب البطولات الثلاث في الهروب من الأسر وهي احد أكثر البطولات التي تستحق أن تذكر وتتدرس فهكذا بطولات لا يمكن أن توجد إلاّ في شعب يملك صفة الاستثناء في الوجود والبقاء والنصر، في هذا الفصل بالذات تظهر عظمة التضحية وتتجلى أجمل وأحلى صور مقاومة ومقارعة السجان وأكثرها عنفوانا، لا بل وأكثر من ذلك إذ أن عمليات الهروب بمجملها ولاسيما عمليات حمزة يونس الثلاث نجحت الى حد كبير بكسر شوكة المحتل وكسر عينه (وحتى التعليم عليه بمفهومنا العامي والشعبي) وبالإضافة لهذا كله نجحت عمليات الهروب بتقويض سلطة المحتل وهز صور جبروته التي أدمن تأليفها وبثها فينا بغية كسر النفوس وإذلالها.

الرواية أو النص وبعيدا عن التصنيف الفني والأدبي لها تشكل إضافة نوعية لأدب المقاومة وأدب السجون وللمكتبة الفلسطينية بوجه عام، فهي تعين المناضل وكل السائرين في هذا الدرب على الاستعانة والتسلح بكثير من الوسائل والأدوات من خلال كم التجارب الغنية والثرية الواردة عبر صفحات والتي تستنهض الهمم وتحث على الصمود والأنفة والعزة وتفخر بالثائرين والمناضلين والمضحين في سبيل الحرية والتحرير .

بقي أن نقول أن النصوص المكتوبة من رحم المعاناة ومن صميم التجربة وحدها التي تبقى ويبقى أثرها طاغيا وحاضرا على الإنسان والمكان يقول تعالى” ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ “، وهذا النفع الذي يبثه قلم عبد الكريم الحشاش يلمسه القاريء عند تتبعه لكل فصول هذه الرواية، فنحن هنا أمام قلم كاتب مفعم وخصب وغني وأصيل لا يكل ولا يمل وهو يفتش في صفحات النضال عن كل شيء جميل ومؤثر ومن شأنه أن يعلوا بالهمم إلى سمائها ومكانها الصحيح بغية رسم اول إشارات النصر على صباحات طال انتظارها ولم تأت بعد…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com