مؤتمر حوار سوري وطني صرف يعقد قريباً البديل المطروح عن “جنيف 2” المؤجل..

رفض اميركا واتباعها الاعتراف بالهزيمة أحد أسباب عرقلة عقد مؤتمر "جنيف 2"
الارهاب هو الممثل "للمعارضة الخارجية" على أرض الواقع ولا وجود له أو لها على طاولة الحوار الوطني
تم الاتفاق بين وزيري خارجية روسيا سيرجي لافروف واميركا جون كيري على عقد مؤتمر "جنيف 2" في أوائل شهر أيار المنصرم، لكن المؤتمر لم يعقد، ولم يحدد موعداً له. وقد تم الاتفاق على عقده في أوساط هذا الشهر، شهر تشرين الثاني 2013، لكنه تأجل حتى الـ 23 منه، واجتمع ممثلو العديد من الدول في جنيف يوم الثلاثاء 5 تشرين الثاني للاعداد للمؤتمر بمشاركة نائب الامين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية السفير الاميركي سابقاً جيفري فيلتمان، لكن هذا الاجتماع للخبراء وممثلي الأطراف لم يحدد موعدا له، وقد سربت وزارة الخارجية الروسية أن المؤتمر لن يعقد في هذا الشهر ولربما أيضاً ليس في شهر كانون الأول القادم، أي يتم ترحيل عقده الى أوائل العام القادم.
رغم أن الادارة الاميركية ممثلة بالوزير كيري وافقت وتبنت عقد المؤتمر في أسرع وقت، إلا أنها ما زالت تعرقل، أو تؤجل عقده، وهناك عوامل عديدة تجبر هذه الادارة على تأخير عقده وهي كثيرة وعديدة.
 
أسباب العرقلة الاميركية
من أولى الأسباب المهمة أن هناك خلافاً حول من سيشارك فيه من الدول. فالسعودية ترفض المشاركة في هذا المؤتمر إذا شاركت فيه ايران، مع أن الأخيرة لا تمانع مشاركة الأولى في هذا المؤتمر بل ترحب به. وهناك محاولة لاقناع السعودية بحضور هذا المؤتمر، ولكن السعودية نفسها تضع شرطاً تعجيزياً ألا وهو الا يكون الرئيس الدكتور بشار الأسد جزءاً من الحل، بل خارج أي حل، وهذا يعني وضع شرط تنحي الرئيس الأسد، وهذا أمر مستحيل لأن مثل هذا الأمر ليس بيد السعودية أو أية دولة في العالم، بل هو يختص بالشعب السوري أولاً وأخيراً. وليس من المنطق أن تذهب سورية – كما قال وزير الاعلام السوري الاستاذ المحامي الدكتور عمران الزعبي – الى المؤتمر لتسلم السلطة للآخرين، أو "تستسلم"، ومن يفكر في ذلك فهو واهم. أي أن حلفاء اميركا في الشرق الأوسط، وفي مقدمتهم السعودية، ليسوا معنيين بالمشاركة في المؤتمر، وهذا يضعف الموقف الاميركي الذي يريد حليفاً له دوره في ما يجري في الداخل أن يشارك الى جانبه ليعاضده في المؤتمر.
واضافة الى موقف الحلفاء "العرب" للادارة الاميركية، فإن هناك صقوراً داخل الادارة الاميركية غير معنيين بايجاد حل سياسي، ويريدون استمرار عملية تدمير "سورية"، وهذا واضح من خلال مواصلة الادارة الاميركية تزويد المعارضة المسلحة والارهابيين بالسلاح والمال.
 
انقسام "المعارضة" السورية
هناك سبب آخر ومنطقي وهو أن المؤتمر يتطلب حضور طرفي النزاع في سورية، الدولة والمعارضة، واذا أردنا الحديث عن المعارضة فهناك معارضة وطنية في الداخل تود المشاركة ولها أعضاء في مجلس الشعب، أو ان لها وجوداً، ولو كان ضعيفاً على الساحة السورية الداخلية. لكن "المعارضة" التي تسعى اميركا مشاركتها فتلك المرتمية بأحضانها. ومنها "المجلس الوطني" و"الائتلاف الوطني". وهذان الجسمان "المصنوعان" اميركياً في اسطانبول والدوحة والسعودية، ورغم تحالفهما الشكلي، إلا أن هناك خلافات داخلية في صفوفهما فهناك من يؤيد المشاركة في المؤتمر، وهناك من يعارض. ورئيس الائتلاف الحالي الموالي للسعودية أحمد الجربا لا يريد المشاركة في أي مؤتمر إلا بعد "تنحي الأسد"، أي أنه لا يريد حلاً سياسياً.
وهناك طرف ثالث من المعارضة وهو ما يسمى "بالجيش الحر" الذي بدأ يتفكك، وينحل أمام الضربات التي يتلقاها من حركتين جهاديتين "ارهابيتين" هما "جبهة النصرة التابعة علناً لتنظيم القاعدة، وحركة "داعش" "دولة الاسلام في العراق والشام". وقد قُتل العديد من عناصر هذا الجيش، وبدأ قادة في الاستقالة، ومجموعات كبيرة تراجعت وانضمت الى الدولة السورية الشرعية بعد أن ادركوا ان هناك مؤامرة لتدمير سورية، وليس لتحقيق ما هو لصالح سورية، أي لشعورهم بأنهم كانوا مضللين إلى حد كبير.
فالمعارضة منقسمة، وليس هناك من يمثلها، ولا تريد المشاركة في المؤتمر.. ونعني بالمعارضة الخارجية التي لا وجود لها على الساحة الداخلية. وإذا ذهبت اميركا وشاركت في المؤتمر، فإنها ستكون في موقف "محرج" لأنها ستدافع عن من! وخاصة أن المعارضة الوطنية في الداخل ترفض التدخل الاميركي ولا تريد من الاميركيين أن تدعمها. ومن يقاتل على الساحة السورية هم مقاتلون جهاديون، ومن دول عديدة، أكثر من 80 دولة.. وهم يمارسون أبشع أنواع الارهاب، فهل من الممكن لاميركا وفي مؤتمر دولي أن تدعم وتمثل داعش وجبهة النصرة وهي التي شنت حرباً شعواء وشاملة في أفغانستان لضرب ومكافحة ومحاربة الارهاب الممثل بتنظيم القاعدة.. أي بمعنى أوضح: هل من المعقول أن تجلس اميركا في المؤتمر الى جانب "داعش" و"جبهة النصرة"!
 
الوضع الميداني لصالح الدولة
أما بخصوص الوضع الميداني، فإن الجيش العربي السوري يسيطر على مختلف المناطق، وحربه هي ضد "الارهاب" الممثل بـِ "داعش" و"جبهة النصرة" والكتائب العديدة التي تحمل أسماء دينية، أي أنه ليس هناك وجود للمعارضة السورية ميدانياً، وعلى أرض الواقع، ومن هنا فإن الدولة السورية تذهب الى جنيف بكل قوة، وأما المعارضة فليس لديها أي شيء على أرض الواقع، ومن له على أرض الواقع حالياً وجزئياً هو من يقاتل لتدمير سورية وهذا تدخل سافر من عناصر خارجية مدعومة من دول عديدة في العالم.
 
الخلاف على هدف "جنيف 2"
هناك خلاف واضح حول ما هو الهدف من عقد مؤتمر "جنيف 2"، الجانب الشرعي السوري الممثل بالدوحة، مدعوماً من روسيا والاصدقاء، يقول أن المؤتمر سيكون هدفه جمع السوريين على طاولة للحوار السوري من أجل مناقشة مستقبل سورية، وتشكيل حكومة انتقالية تعد للدستور وكل الاصلاحات الضرورية المتفق عليها، وطبعاً كل هذا يجري تحت مظلة الدولة والرئيس بشار الأسد. ويحق للسوري المعارض الوطني طرح ما يريده على طاولة الحوار، أي أن مؤتمر جنيف سيكون عاملاً مساعداً لجمع السوريين على طاولة الحوار. وأي اتفاق يتم التوصل اليه بين المتحاورين حول مستقبل سورية سيعرض على الشعب في استفتاء شامل وعام.
أما بعض أعضاء "المعارضة" فيطالبون بأن تكون الحكومة الانتقالية لها كامل الصلاحيات، أي تسلب صلاحيات الرئيس الأسد، والهدف من المؤتمر تسليم السلطة للمعارضة المهزومة على أرض الواقع، للمعارضة التي ليس لها وجود أو نفوذ قوي على الساحة الداخلية. ومن هنا فإن هؤلاء "المعارضين" يضعون شروطاً تعجيزية وغير مقبولة للمشاركة في مؤتمر "جنيف 2"، لأنهم لا يريدون عقده أساساً لأنه ليس لهم وجود على أرض الواقع، وينفذون فقط مخططات أعداء سورية وأعداء الأمة العربية.
موقف الادارة الاميركية متذبذب ومتلون، فتارة نجدها تعترف عبر ممارساتها وبياناتها وتعاملها، بالرئيس الأسد والحكومة الحالية كسلطة شرعية، وفي أحيان تريد "اسقاط" سورية الحالية عبر اسقاط الدولة. وهذا أمر من المستحيل تحقيقه سياسياً وسلمياً لأنهم لم ينجحوا في الحصول عليه عبر استحضار مرتزقة من عشرات الدول للقتال في سورية لتحقيق هذا الهدف وفشلوا في ذلك.
وهناك شرط واضح من الدولة السورية، وهو شرط مشروع ومنطقي، ينص على رفض مشاركة أي "معارض" تلطخت يداه بدماء الشعب السوري، أو هو "مرتمي" في أحضان الدول المتآمرة على سورية وعميلا لها، ودعا إلى التدخل العسكري الخارجي لاسقاط الدولة، كما أن أي جهات ارهابية لن يسمح لها بالمشاركة في الحوار وخاصة داعش وجبهة النصرة واخواتهما، لأن طاولة الحوار هي للسوريين الوطنيين، ولن يشارك فيه من هو ليس سوريا أو من تعامل مع أعداء سورية.
 
رفض اميركا الاعتراف بالهزيمة
هناك عامل آخر يقف وراء عرقلة اميركا لعقد المؤتمر اضافة الى ما ذكر سابقاً، وهو رفض الادارة الاميركية الاعتراف بهزيمتها، وسقوط وفشل مخططاتها على الارض السورية. وتحاول أن تثبت أو تظهر أنها لم تنهزم بعد من خلال هذا الموقف المتردد أو الضعيف الذي يساهم في تدمير سورية، والتسبب في معاناة كبيرة للشعب السوري.
وكذلك الدول الاقليمية التي شاركت في المؤامرة بصورة فعلية، وخسرت مليارات الدولارات لتغيير الوضع في سورية وفشلت، ترفض المشاركة في مؤتمر "جنيف 2" حتى لا تظهر هزيمتها الفعلية.. ولذلك تعرقل عقد المؤتمر لاظهار أنها ما زالت قوية ولها وجوداً وتأثير، وهي "لاعبة" أساسية.
 
 
رهان خاطىء
والتأجيل يهدف إلى الوصول الى العام 2014 والى شهر حزيران أو أيار القادمين، ليحاول هؤلاء طرح موضوع اعادة انتخاب الرئيس بشار الأسد. فهم يريدون وضع شرط جديد بعدم ترشحه، وهذا لن يقبل به الشعب السوري، وهو الذي وحده يقرر ذلك، كما أن من حق الرئيس الأسد أن يرشح نفسه كأي مواطن سوري، وليس من حق أحد في الخارج وضع "فيتو" في الشأن السوري الداخلي.
وهذه القوى المعارضة لا بل المعادية لسورية تظن أن التأجيل قد يساهم في تغيّر الوضع على ارض الواقع لصالحها، وكذلك يمكن "تحقيق" المزيد من الدمار للشعب السوري لعله يقبل باملاءات الخارج، وكذلك يقترب موعد اجراء الانتخابات الرئاسية للتدخل بها، وعدم السماح للرئيس بشار الأسد بالترشح لها.. وكذلك الادعاء بعد ايار أو حزيران القادمين بأن الرئيس الأسد قد انتهت ولايته الرئاسية للطعن بشرعية بقائه على سدة الرئاسة.
هذا الرهان خاطىء على مجمل هذه المواضيع المأمول تحقيقها لأن الشعب السوري سيقف بالمرصاد لها.. ولأن امكانية ايجاد بديل "لجنيف 2" واردة من خلال عقد مؤتمر حوار داخل سورية بين السوريين أنفسهم برعاية الدول الصديقة غير المتآمرة على سورية، وترك المعارضين المتعاملين مع اعداء سورية يصيحون ويقولون ما يريدون. وهذا المؤتمر قد يصل الى اتفاق حول مستقبل سورية تلتزم الدولة الحالية برئاسة الرئيس بشار الأسد بتطبيقه، مع مواصلة تعزيز الوحدة الوطنية لسورية لمواجهة الارهاب والقضاء عليه أو طرده الى خارج الاراضي السورية.
الوضع في سورية لن يبقى على حاله، فلا بدّ للسوريين جميعاً أن يتعاضدوا فيما بينهم، ويعقدوا مؤتمراً خاصاً بهم وفي العاصمة دمشق أو في أي عاصمة صديقة، ويتفقوا على مواجهة الارهاب والتصدي له، ووضع خطوات عملية وفعلية للخروج من هذه الأزمة.. ومثل هذا المؤتمر سيضع أعداء سورية خارج الحل، وسيكون الحل سورياً صرفاً.. وهذا هو المطلوب وهذا ما يجب الاسراع في تحقيقه بديلاً عن مؤتمر "جنيف 2" المؤجل إلى اشعار آخر!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com