في ظل استمرار العدوان العسكري على قطاع غزة : الحياة باتت مستحلية

رام الله- البيادر السياسي : قال مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية “شمس” إن إستراتيجية التدمير الممنهج لكل أوجه الحياة المدنية في قطاع غزة، التي تمارسها دولة الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين، من إغلاق وحصار محكم، وقطع كل أساسيات الحياة عن المواطنين من ماء وكهرباء وغذاء وأدوية واتصالات وإنترنت، وتدمير للمنشآت المدنية من مباني سكنية، ومراكز طبية وجامعات، ومدارس، ومستشفيات، وشركات وبنوك، ومساجد وكنائس، ومخابز، ما هي إلا تعبير عن العقلية العنصرية، التي تستند إلى التدمير كمقدمة للتطهير العرقي وطرد المواطنين من  قطاع غزة، إن تلك الإجراءات والتدابير اللاإنسانية والعقوبات الجماعية هي أقرب ما يكون إلى التطهير العرقي وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بحق المدنيين وهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بأعمال الإبادة الجماعية التي ارتكبت عبر التاريخ بحق المدنيين في شتى بقاع الأرض.

إن المواقف المعلن والداعم للعدوان العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة من بعض الدول الغربية الأوروبية ومعها الولايات المتحدة الأمريكية، يؤكد من جديد على مواقف تلك الدول وسياساتها التي لم تغادر مربع الاستعمار، حتى بعد انكفائها ضمن حدود دولها القومية. والوجه العنصري لها، وكيلها بمكايلين وسياساتها الخارجية المزدوجة، تلك الدول التي تتبجح بالقيم اللبرالية وحقوق الإنسان وكرامة البشر، هذه المواقف وهذا الدعم للاحتلال يعبر عن مدى تشوه الرؤية لدى مؤسساته السياسية والعسكرية العميقة في دعمها اللامحدود للأعمال الإجرامية التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين في قطاع غزة .

 يتمثل ذلك الموقف الغربي اللاأخلاقي المنحاز إلى جانب دولة الاحتلال وإلى جانب قوى الطغيان والعدوان في البيان الخماسي الصادر عن حكومات دول (بريطانيا، الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا) والذي أعطى الضوء الأخضر لدولة الاحتلال في تنفيذ عدوانها على الشعب الفلسطيني، حيث تعهدت تلك الدول بدعم (إسرائيل) في جهودها للدفاع عن ( نفسها) ضد ما تعرضت له من هجمات من قبل المقاومة الفلسطينية.[1] أضف إلى ذلك زيارة غالبية رؤساء وزراء خارجية تلك الدول إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، كرسالة سياسية ومعنوية للدعم والتضامن والتأييد، وإرسال المساعدات العسكرية لها، بل وأبعد من ذلك إرسال الأساطيل البحرية إلى مياه شرق المتوسط للمساعدة في العدوان، إذ وصلت حاملة الطائرات الأمريكية فورد إلى مياه شرق المتوسط، إضافة إلى ذلك الغطاء السياسي في مجلس الأمن الدولي الحامي للاحتلال والرافض لإصدار أي قرار من مجلس الأمن لوقف هذا العدوان الهمجي على الشعب الفلسطيني الأعزل، إذ صوتت كل من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية بالفيتو ضد مشروع القرار الروسي والبرازيلي الداعي إلى وقف العدوان والهدنة الإنسانية في قطاع غزة.[2]

إن أفعال العدوان التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين والمؤسسات المدنية في قطاع غزة هي انتهاك جسيم للقانون الدولي الإنساني وللقانون الدولي لحقوق الإنسان ولميثاق هيئة الأمم المتحدة، وهي أفعال موصوفة في القانون الدولي بأنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. إذ بلغ عدد الشهداء في قطاع غزة حسب المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة، الدكتور أشرف القدرة، (3785) شهيداً بينهم(1524) طفلاً و(1000) سيدة، و(120 )مسناً.بينما ارتفع عدد جرحى عدوان الاحتلال الإسرائيلي إلى( 12493 )مصاباً؛ منهم( 3983 ) طفلًا و(3300 ) سيدة.ومن بين الشهداء (44) من الطواقم الطبية وإصابة (70) آخرين بجراح متفاوتة[3]. فيما يقدر بوجود عشرات آخرين تحت أنقاض المباني السكنية المدمرة بفعل هجمات إسرائيل وتعذر انتشالهم حتى الآن، وذلك حسب تصريحات المسؤولين في وزارة الصحة بقطاع غزة ، هذا إلى جانب إصابة ما يزيد عن ( 3300 )”[4]

وتعتبر النداءات والبيانات التي صدرت عن جيش الاحتلال الإسرائيلي بوسائل عديدة بمطالبة المواطنين في شمال قطاع غزة بإخلاء منازلهم في محافظات (غزة وشمال غزة) والتي يسكنها حوالي (1,250,000) مواطن فلسطيني بإخلاء منازلهم خلال (24) ساعة والتوجه إلى الجنوب وإلى وادي غزة ليحافظوا على حياتهم، هذه وصفة لتهجير قصري من قبل الاحتلال للسكان المدنيين.

  كما استهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل مباشر المنشآت المدنية وخاصة البيوت والمباني السكنية” وتم تدمير ما يزيد عن (2185) مبنى بشكل كلي، و(8840) وحدة سكنية بشكل كلي، إضافة إلى تدمير أكثر من (89000) وحده سكنية بشكل جزئي، كما تم نزوح وتهجير ما يقارب ( 680000 ) مواطن داخل القطاع بعيداً عن أماكن سكناهم[5]

كما أن سياسة العقوبات الجماعية المتمثلة بقطع المياه والغذاء والدواء والكهرباء عن قطاع غزة هي نوع من الجريمة المنظمة لمعاقبة المدنيين العزل لا سيما الأطفال والنساء وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، والمرضى، كما أن عدم تمكن الأطقم الطبية والدفاع المدني والبلديات والمسعفين من انتشال الجثث من تحت الأنقاض وركام المباني يضاعف من سوء الحالة الإنسانية للمواطنين هناك، الأمر الذي ينذر بكارثة صحية وبيئية. فرائحة الموت تنتشر في كل مكان في قطاع غزة وصور الحرب والدمار باستهداف مقصود ومتعمد للمنشآت المدنية وللسكان المدنيين، وهذا يشبه ما قام به الجيش النازي في الحرب العالمية الثانية في حصار لينينغراد الشهير إذ ارتكب الجيش النازي أعمالاً وحشيةً بحق السكان المدنيين ومنع دخول الغذاء والدواء، ووفق التقديرات شهدت مدينة لينينغراد طيلة أيام الحصار وفاة ما لا يقل عن ( 800000 ) شخص سقط جلهم بسبب نقص الغذاء.

الاستهداف المباشر والمقصود للحياة المدنية والسكان المدنيين والأفراد الذين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، يشكل جريمة حرب استناداً إلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. وانتهاك جسيم للمادة (25) من اتفاقية لاهاي الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية لسنة 1907م والتي تحظر مهاجمة أو قصف المدن والقرى والمساكن والمباني غير المحمية أياً كانت الوسيلة المستعملة[6].إضافة إلى ذلك فإن حماية المدنيين والمنشآت المدنية ضمنتها اتفاقيات جنيف الأربعة المؤرخة 12 آب أغسطس لعام 1949م.

باتت الحياة المدنية معدمة في قطاع غزة جراء ما تقوم به دولة الاحتلال الإسرائيلي من جرائم ومجازر وفظائع في قطاع غزة، ينبئ بكارثة إنسانية خطيرة، لم يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية ، مما يفرض على المنظمات الدولية ومؤسسات الأمم المتحدة والحكومات والبرلمانات ، ضرورة التحرك العاجل لإنقاذ قطاع غزة والمواطنين الموجودين فيه، إذ أصبح القطاع بعد هذا الدمار وكمية المتفجرات التي قصف بها أشبه بمنطقة منكوبة غير صالحة للحياة البشرية.


[1] -عن الموقع الإلكتروني لوكالة سبوتنك عربي  https://sputnikarabic.ae/20231009/%D8%A5%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%A7-%D9%88%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D8%A7-%D9%88%D8%A3%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%86%D8%A7-%D8%B3%D8%AA%D8%AF%D8%B9%D9%85-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%81%D8%A7%D8%B9-%D8%B9%D9%86-%D9%86%D9%81%D8%B3%D9%87%D8%A7-1081843688.html

[3] . المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة، الدكتور أشرف القدرة، خلال مؤتمر صحفي، اليوم الخميس 19/10/2023

[4] – عن الموقع الإلكتروني للمرصد الأور ومتوسطي لحقوق الإنسان  

https://euromedmonitor.org/ar/article/5863/%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D8%AA%D9%82%D8%AA%D9%84-%D9%A1%D9%A0%D9%A0-%D8%B7%D9%81%D9%84-%D9%8A%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%BA%D8%B2%D8%A9-%D9%85%D9%86%D8%B0-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%A8%D8%B9-%D9%85%D9%86-%D8%A3%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D8%B1%D9%8A

 

[5] – عن الموقع الإلكتروني للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني https://www.pcbs.gov.ps/postar.aspx?lang=ar&ItemID=4605

[6] -اتفاقية لاهاي الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية المؤرخة في 18 أكتوبر تشرين أول 1907م

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com